نوافذ 69
1
نزح مَن نزَح من سوريّة، وهاجر مَن هاجر ، على أثر الفظائع التي ارتكبها الدّواعش والإرهابيون ، وظلّت قلوب معظمهم مشدودة إلى ذكريات حياتهم السّابقة، فهم بين الحين والآخر، يتّصلون بمَن كانوا جيرانهم أو أصدقاءهم،
ركبوا مياه البحر فيمن ركبَها، ولا يعلم إلاّ الله كم قاسوا من الخوف، والجزع، حتى استقرّ بهم المقام في الدول الأوربية ، فوجدوا حياة جديدة عليهم كلّ الجدّة،
اتّصلت الأمّ بصديقة لها، وكما هو الحال في أحاديث النساء فقد سألتها جارتُها في حمص عن أفراد أسرتها واحداً واحدة، فأجابتْها :” عينيك تشوف مقصوفة الرّقبة فلانة- تعني إحدى كنّاتها- فما أن رأتْ الحريّة المُعطاةَ للمرأة هنا ، وصار بإمكانها أن تتنقّل في هذا البلد،.. حتى طلبت التخلّص من زوجها، وهي اليوم من بار إلى بار آخر….
2
عبر مياه البحار في ظروف بالغة المشقّة، استقرّ في بلد أوروبيّ، وظلّ على اتّصال بأحد أصدقائه، وهو الآن قد تجاوز الثانية والسبعين من العمر، في أحد الاتّصالات سأله صديقه الحميم من حمص :” ألا تفكّر بالعودة”؟ فقال:” ولماذا أعود؟!! راتبي التقاعدي لا يكفي مصروف أيام في سوريّة، هنا أسكن في بيت، الكهرباء فيه لا تنقطع، وتصلني معونة شهريّة تكفيني، فلا ينقصني شيء ؟!!
مرّت ببال أحدهما سنوات الشباب، وبدء الشيخوخة، وشعر بأنّ ثمّة جزءً من حياته قد رحل بعيداً ولن يعود…
3
أنا أرجّح أنّ هناك بدَلع مذيعات في عدد من الاذاعات اللبنانيّة، فسلكْنَ الطرق ذاتها، أنا أفهم أن يكون الحوار في برامج النّقل المباشر، والذي يُجري مقابلات مع المواطنين تتعلّق بشؤون الحياة، .. أفهم لأن يكون الحوار باللّهجة المحليّة، أمّا أن يكون ذلك شبه عام، فهذا يثير العميق من القلق، لاسيّما أن بعض خريجي كليّة الآداب لايجيدون كتابة عدّة أسطر دون أخطاء نحويّة أو إملائيّة.
المؤتمرات، واجتماعات الجهات المختصّة باللغة، توصي باستمرار بالاهتمام باللغة العربيّة، وتُرفَع توصياتها وتظلّ مجرّد توصيات !!
إنّ وسائل الاعلام المرئية والمسموعة تشكّل أداة نوعيّة للاهتمام باللغة، فلماذا الإصرار على اللهجة العاميّة المحليّة، لاسيّما وانّ الغاية ليست التفهيم فقط، بل والتأسيس لنهوض لغويّ افتقدناه منذ زمن طويل، افتقدناه رغم معرفتنا بأنّ زمن ما يُطلَق عليه اسم النّهضة، مع بدايات القرن العشرين قد بدأ باللغة.
أنا لا أعتقد أنّ في الأمر صعوبة، ولا يكلّف أكثر من صدور تعميم من الجهة المختصّة تمنع فيه الحوار بالعاميّة، إلا في الموقع الذي أشرنا إليه قبل قليل، وسوف تجد الجميع وقد التزموا، ومَن كان يشكو من نقص ما في هذا المجال فلسوف يعمل على ترميم نواقصه، ولسوف نقطف ثمار ما زرعناه ليس بعد وقت طويل، بل قد يكون وقتُه أقصر بكثير ممّا يتوهّم المتوهّمون، فهل نتنبّه ونفعل ؟ نرجو ذلك، إنّه مجرّد رجاء في حدود التمنّي، ولستُ على يقين راسخ من فعل ذلك…
عبد الكريم النّاعم
aaalnaem@gmail.com