تحية الصباح .. نوافذ 70

                                                  1

البيت بالآجار، والايجارات لم تعد كما كانت، فقد تبعتْ موجةَ ارتفاع الأسعار،والزوج عامل عاديّ في مكان ما، والأطفال لا يُدركون شيئا ممّا يقوله الكبار، الحيّ شعبيّ، داهمهم خراب الدواعش والنّواهش ومَن آزرهم ، فلم يعد الوالد قادراً إلاّ على تأمين ربطة الخبز، وكأس الشاي.

خرجت الأم لأمر ما ، في الطريق وقعتْ عينُها على شيء يلمع في الأرض، فدقّقت النّظر وإذا هو سلسال من ذهب، حملتْه في حقيبتها،ماذا جرى بين الزوجة والزوج لا يمكن تكهّنه، ولو كانت الحادثة تأليفاً لسمحتُ لنفسي أن أتخيّل أكثر من صيغة معبِّرة عن حوار مُحتمَل في مثل هذه الحالة،

فوجئنا نحن الجيران الأقارب أنّ تلك السيّدة قد أعلنتْ على صفحة موبايلها أنّها التقطت من الشارع قطعة ذهبيّة وعلى مَن فقدَها أن يتّصل بالرقم التالي…..

يا إلهي كم هي كبيرة بعض النفوس، وكم هي عزيزة، وكم فيها من الاغتناء رغم الحاجة المُلحّة!!

لا شكّ عندي أنّ للتربية التي رُبّي عليها الزوجان أثرا كبيراً لاتخاذ ذلك القرار، وهم بأمسّ الحاجة لثمن تلك اللّقية، تُرى كم في مثل هذه النفوس من شَمَم، ومن اتّكال على الذي لا تخفى عليه خافية،

لطفك بعبادك يا ربّ ، وخُذ الذين أوصلونا إلى ما نحن فيه أخْذ عزيز مُقتدر…

                                              2 

منذ عدّة سنوات وهو يؤدّي خدمة العلم في قوّاتنا المسلّحة، ليس من ذوي الوفرة، بل هو أقرب إلى ضيق الحال، في زيارة لي، لوى رأسه بحياء وقال لي:” جدّو”- ومفردة “جدّو ” صارت على فم كلّ مَن في العائلة إلاّ الأقلّ- ..”أنا وأصدقائي شكّلنا جمعيّة على قدّنا نجمع من خلالها مبلغاً من المال، لنقدّمه لإحدى العائلات المحتاجة للمساعدة، فهل تُساهم معنا “؟ ساهمتُ بما أعان الله عليه، وفوقها دمعة جالتْ حبستُها بصعوبة، وتذكّرتُ أصحاب العقارات، والمال المسروق في الغالب، المكدَّس في الصناديق، أو في البنوك، والذين تعجّ بهم المطاعم الفاخرة، وينفقون على بطونهم بسخاء مُذهل، ولا يتذكّرون يوم الله، قفزت إلى ذهني الآية الكريمة القائلة:” وَإذا قيلَ لهمْ أَنْفقوا مِمّا رزقَكمُ اللّهُ قال الذين كفروا لِلّذينَ آمَنوا أَنُطْعِمُ مَنْ لوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَه إنْ أَنتًمْ إلاّ في ضلالٍ مُبين”،.. انتبهْ إلى أنّ الذين قالوا ذلك هم الذين كفروا، ويمرقون بذلك من كلّ ما له علاقة بالحسّ الإنساني، ظانّين أنّهم مخلَّدون في هذه الأرض، أو أنهم لن يضعفوا، ولن تصيبهم كارثة، حتى لكأنّ العالَم كلّه هو هذا اللّهو والعبَث والشفط والاحتكار الذي هم فيه!!!

                                                  3

ليس ميسوراً، ولكنّه على حدود ما يمكن أن نسمّيه بالاكتفاء، مع حُسن الإدارة، ويشعر بسعادة داخليّة كثيراً ما حدّثني عنها حين يضع شيئا في يد فقير، ويقول أنّ لذّته في ذلك لا تُدانيها لذّة، شعاره:” اللُّقَم تدفع النّقم”، التقى مصادفة بعامل التنظيفات، فسلّم عليه وهو لا يعرفه، ومدّ يده بمبلغ، ورجاه أن يَقبَله، وأوقد شمعة ارتياح في محراب أحاسيسه، وبعد عدّة أيام حدثت المصادفة ذاتها، فمدّ يده إلى جيبه، فلم يجد في جيبه شيئا، فأحسّ ببعض الخجل وقال له:” سامحني يا أخي نسيتُ محفظتي في البيت،” فنظر إليه عامل التنظيفات وقال له:” أنا لم أتقصّد أن ألتقي بك”، ومنذ ذلك اليوم صار ذلك العامل يتعمّد المرور بالشارع في الوقت الذي لا يكون فيه موجوداً….

 عبد الكريم النّاعم

aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار