كان يتمنى نسيان ذكرياته الطفولية يوم كان يقف في زمن ما بعيد جداً على أسطح أحد البيوت الطينية ليتسنى له الحصول على وجبته اليومية من أحد أصحاب تلك البيوت القريبة ..
الذكريات حاصرته كون ذلك الماضي البعيد الموغل في القدم يعيد نفسه بعد أن أصبح كهلاً واقتربت النهاية منه، غادرته أمه وأبوه أولاً ثم زوجته وأصدقاء الطفولة تركوه صديقاً للفقر والوحدة التي عصفت به وللزمن الذي قوّس ظهره وملأ نفسه بالحسرات ..إذ تغيرت الأشياء حوله وتبدلت الوجوه واصطدم بواقع صعب أحاط به من كل الجبهات ..
لم يبق له سوى زقزقة العصافير في بيته البعيد على أطراف القرية يلوكه الملل بعد أن غادره أبناؤه وتشظوا في أنحاء المدينة باحثين عن رزقهم الذي وبالكاد يصطادونه..
لم يستسلم للدموع يوماً حزناً لا لأنه يحب الرحيل إلى باطن الأرض ولا لأنه كاره للحياة لكنه اشتاق لمن بات يسكن في بطنها يناجيهم ويناجونه علّه يحظى فيها بالسكينة وراحة البال …
عفاف حلاس