شوقنا لأيام ما قبل الحرب كبير ، نستعيدها بقلب مجروح ، وبالفعل “ما بتعرف خيره حتى تجرب غيره” ، كنا نعيش نعمة ما بعدها نعمة ، لم يكن يرعبنا شبح الانتظار على طابور معتمدي الغاز والخبز والمازوت مثلما هو حال نعيش تفاصيل وجعه القاسية هذه الأيام … كانت مرحلة غالية من العمر لم نقدر ثمنها إلا بعد رحيلها ، ولم ندر يوماً بأنها ستتحول إلى حلم جميل نستعيده كلما اكتوينا بعذابات الواقع المرهق ، كانت أوجاعنا نزيفاً مزيفاً لذيذاً تمضي في طريقها وتتركنا ويحل غيرها, وكنا نخال بأن كل واحدة من هذه الأوجاع هي أكبر همومنا وليتها بقيت وليتنا بقينا مسكونين بأوجاعنا الصغيرة نتتبع مسراها ظمآنين بانتظار تباشير حلها .
باتت أيام ما قبل الحرب أفقاً رومانسياً نتحسسه بقلب مجروح صامتين… صارخين… آلامنا كانت جميلة ، وشلالات حزننا لم ترهق عيوننا وتفجر القهر في قلوبنا مثلما حال هذه الأيام كان اللهاث وراء اللقمة له طعم ورائحة ولون مختلف ، وكان لقبض الراتب نشوة وفرحة لدى رب العائلة تشبه فرحة الأطفال ، أما الآن فإن الموظف يشعر بأن وظيفته جزاء قاس له رغم أن هذه الوظيفة سعى إليها بكل ما أوتي من ركض ودفع وواسطة وإراقة ماء الوجه في الطلب من فلان وعلان ، خاصة وأنه خريج جامعي حصل على شهادته بعد طوال كد وتعب ودراسة وغربة إرضاء لأحلامه الرابضة في أعماق ذاته , شهادته هذه حولته في أيامنا إلى عصفور في قفص ذهبي ، يحسد من يراهم حوله من عمال وأصحاب مصالح يقومون بأعمال بلاط ودهان وصحية وصغار كسبة يمارسون أعمالاً مختلفة أجورهم اليومية تعادل راتبه الشهري… ذكريات الأمس ، لا يستطيع أحد سلبها منا ،… أحاسيس يومية نعيشها في مرحلة كفاح لاستعادة نعمة أرّقت أعداءنا وأشعلت نيران حقدهم علينا…. زمننا الجميل ، جمر وماء ، وبارقة الأمل باستعادته لم ولن تنطفئ طالما أننا مقتنعون بأننا نسير على السكة والمسار القويم… والله يفرج
العروبة – حلم شدود