لم أنس وجه تلك المرأة القروية التي احتضنها الطريق الرئيسي في القرية في ذلك الجو اللاهب من شهر آب واضعة يدها على خدها ونظراتها منكفئة على الأرض… لمست قدراً قاسياً في عينيها فاتجهت نحوها جلست قبالتها بتهيب سألتها عما يدفعها للجلوس ساعات طويلة في ذلك القيظ المميت ..ردت بانكسار: “أنتظر ولدي المخطوف منذ سنوات ، وأملي الوحيد في رجوعه إلي سالماً..
أصابني ردها بالصدمة سألتها ” أيأتي ولدك إلى هذا المكان تحديداً يا خالة ، ألا يعرف الدرب جيداً..
“ازداد انكسارها” وقالت: منذ أيام وأنا آتي إلى هنا أنتظر لكنه لم يأت ، هل تعرفين أين يكون ؟..
يا إلهي تسأل الغرباء عن فلذة كبدها …أية أسئلة حزينة تلك .. وأي رد ينضح بالمآسي سيكون، لا يردد ذاك السؤال إلا من ذاق طعم الفقد ..
عند فقده تولدت حكايات عدة .. ربما أصيب منذ اللحظة الأولى للهجوم لكنها تظل أقاويل فما أكثر الشائعات في قريتي الثكلى لتبقى الحقيقة تائهة بين الأزقة والدروب ،لكن الأمل لم يتطرق إليه اليأس لحظة ، نيران فقده مازالت تتوهج في قلبها لتسكنها مدائن من الحزن يرتسم في عينيها السوداوين… صورته أيقونة خالدة في صدرها .
إنها الحرب تقسو على البشر، ربما حالة تلك المرأة تماثل قسوة ما رأيناه بأعيننا وسمعناه بآذاننا وتلمسناه عن تجربة ..
عفاف حلاس