كان لايفقه شيئا ً إلا في أمور الزراعة وشجونها التي أخذت جانبا ً كبيرا ً من عمره وهو يسّير أمور إخوته في الأرض التي ورثوها أبا ً عن جد ، يرسم خريطة أرضه على قلبه المفعم بالحب لها .
يسير ممتطيا ً حماره كل مطلع فجر ، يحدث مرافقيه الذين عاصروا أحلامه وخيباته ، بهموم اجتازت عتبة داره لتطال جيرانه .
ابتسامة الرضا لا تفارق محياه وهو يرش الحبوب المخزنة من موسم إلى آخر بمحراثه البدائي، ليزرع القمح والبطاطا والبندورة واللوبيا البعلية فوق تلات أرضه القاسية في رحلة البحث المستمر عن الطعام بما يتلاءم مع المناخ المحلي ليسد احتياجات وطلبات عائلته ، فعصفورة قلبه ماانفكت عن التغريد بالأمنيات لتلقي الدعم وتوافق الإنتاج مع الطبيعة بعيدا ً عن الكوارث والأزمات وتأثير تغيرات المناخ، يترصد البوح على غدائر الشجر وفيها ثمة مايقال..
وهو رغم حبه للأرض وتعلقه بها كان يتمنى أن يصبح أبناؤه موظفين أو معلمين أو متطوعين في الجيش مستفيدين من زيادات ومنح متتابعة حتى ولو كانت محدودة تعينهم في ظل ارتفاع أسعار المازوت والبنزين لتصل إلى لقمة الخبز الملاذ الآمن في وقت لم تنظر فيه الجهات المعنية بعين الرأفة لمن لادخل له…
ظل يترقب موسمه المهدد في كل لحظة بالاندثار وفي قلبه آلاف الدعوات لينجو الموسم من حرائق محتملة أو خوفاً من غزوات الدود وأسراب فأر الحقل لحبات أشجاره المثمرة التي ترزح دائما ً تحت رحمة الطبيعة، يسرح نظره في أرضه وقلبه يخفق ، ينذر النذور والقرابين كي تخرج النبتة وتزين وجه الأرض بخضرتها اليانعة لأنه لايزال يعاني خوفاً من أن يصبح حاله كمن يحرث البحر محاولاً تقليص وجع الحاضر إذ لا تعويض محتمل في حال خراب المحصول، يجعله يتعثر بخيبات الماضي المعروفة للقاصي والداني بعد أن أصابت الكهولة أرضه، والكل في الشقاء سواء في رحلة الغيظ والقلق.
عفاف حلاس