لاشكّ أنّ انسحاب أمريكا من أفغانستان، على الصورة التي شاهدناها، و( شبه) انتصار طالبان ستكون له آثاره، ليس في أفغانستان وحدها، بل في المحيط بها بعامّة، وهنا أتوقّف عند النّقاط التالية:
-أتساءل كغيري، هل خرجت أمريكا مهزومة، ام أنّها بيّتت أمراً في الخفاء، له أبعاده القادمة؟، وأيّا اختلفت الآراء في ذلك فلا يمكن اعتبار خروج الأمريكان ( نصراً)، بل الأقرب إلى معقول المعطيات أنّها خرجت مهزومة، وإلاّ فلماذا بقيت عشرين سنة هناك، وماذا كانت تفعل، وهذا يعيد إلى الذاكرة خروجها مهزومة من فيتنام، كما أنّه يشير إلى أنّها لا تخرج من بلد دخلتْه إلاّ إذا تكبّدت فيه الخسائر الكبيرة، ولو على مدى يطول فيه الزمن،
-الوقائع والمعطيات الأوليّة يمكن القول فيها إنّ طالبان لم تحقّق النصر الذي تريده، فهي من خلال المعارك المشتعلة منذ زمن بعيد ، ومن خلال الدروس التي اكتسبتها من خروج الروس السوفييت مهزومين، .. تدرك أنّها لا تستطيع أن تحكم هذه البلاد بمفردها، ولذا بادرت إلى إقامة اتصالات مع القوى القبَلية الموجودة على الأرض، لأنّ ما عجز عنه السوفييت والأمريكان لا تستطيع هي القيام به، ولسوف تعمد إلى تشكيل تحالف يُمثّل القوى الفاعلة، في بلد متنوّع الأعراق والمذاهب، وهذا متروك لقادمات الأيام.
-كثيرون مثلي لا يثقون بالمنظمات والهيئات السلفيّة المذهبيّة المُغرِقة في رجعيّتها، ولكنّ مَن خاض هذه الحروب الطويلة يُدرك أنّه ليس وحده على الساحة، كما يدرك أنّه محاط بجيران، باكستان، الصين، وروسيا الاتحاديّة، ولا بدّ من أخذ ذلك بعين الاعتبار، ولأنّنا رسخ في قناعاتنا أنّ مثل هذه القوى كانت دائماً سلاحاً بيد واشنطن ودوائر الغرب النّهّاب، فإنّ الكثير من الحذر مطلوب في الحكم على المجريات، ولا بدّ من بعض الانتظارليتكشّف شيء من غبار المعارك، ولربّما رأى البعض أنّ واشنطن خرجت على تلك الصورة بالاتّفاق مع قيادات طالبان لتجعل من أفغانستان بؤرة جديدة متفجّرة، دائمة التفجّر والاشتعال في المنطقة المحيطة بها، وليس غريبا على عقليّة البنتاغون أن يتصالح مع من كان عدوّه بالأمس ، ما دام ذلك في مصلحة الأهداف الكبرى للامبرياليّة العالميّة التي تقودها واشنطن، وبذلك تكون قد طبّقت خطّة الجيل الرابع من القتال ضدّ العدو، وهي إبقاء النار مشتعلة، وكلّما بردت في مكان أوقدتْها في آخر، دون أن تخسر هي شيئا.
-الذي لاشك فيه أنّ كلاّ من الصين وروسيا الاتحاديّة وإيران ليسوا بعيدين، ولا مغمضي الأعين، وهذا سيوجب في المستقبل حراكا يحمل مقاصده في تحرّكاته، فهل سيتاح للتفاهمات القائمة بين هذه البلدان أن تتمثّل في أرض أفغانستان، أم أنّ مصلحة كلّ بلد على انفراد ستكون هي المحرّك، دون أن يؤثّر ذلك على ما بينها من خطوات اقتصاديّة، كما هو الأمر بالنسبة لطريق الحرير، أو في العلاقات البينيّة، ففي بعض المقاطع، لبعض هذه العواصم كانت المصلحة الخاصّة هي الغالبة، وهذه رؤية شديدة الخطورة من حيث نواتجها، إذ أنّ المسافة بين ( المصالح) و ( المبادئ) عميقة وشاسعة، ولا شكّ أنّ المدقّق يستطيع أن يرى ذلك في بعض حراكات هذه الدول،
-إنّ ما سبق يثير رغبة عميقة في نفوسنا في سوريّة، إذْ أنّ استكمال الخروج من دائرة النّار لا يستكمل شروطه إلاّ برؤية الأمريكان والأتراك يخرجون منهزمين من الشمال السوري، وهذا لن يتمّ إلاّ بتشكيل قوى وطنيّة لا تترك يوما للأمريكان يرتاحون فيه، ولن يخرجوا إلاّ إذا توافدت توابيت جنودهم قتلى على واشنطن وأنقرة …
عبد الكريم النّاعم