تحية الصباح.. الشطارة…

النداء المحبوسة أنفاسه, والمكمومة جذوته في مهاد ” يا حادي العيس” سرح منمنمات لتساؤلات . أهو حرقة وجد تقاضاها رهان آمال في متاهات سراب , أم لواعج صدّ ومخاوف فراق , ومآسي ارتحال , أم نباهة فطنة يلاوعها تحسر على انقضاء زمان ينسرب من بين أعطاف الأيام . ونحن ننظر في راحات أيدينا ؟! وإذا ما كان ما لا يسر , كان النداء رجاء التمني : ” لا حملت رجلاك يا جمل “. إذ أين لكلمات بائسة أن تفي بمآرب تحاكي أمنيات حروف كلماتها ؟ إنها مقطعة , في كليتها , للشاعر / ماني الموسوس/ الذي حدثتنا كتب التراث عن جمال شعره إبداعا , وعفته سلوكا وموقفا حياتيا حيث لا تكسّب لديه على حساب الشعر , ولم يقبل عطية , بل ردّ آلاف الدراهم ما عدا نصف درهم إذ لا حاجة لها وكفاه نصف درهم بهريسة يحبها من غير أن تأخذه “مريلة” في شطارة وحذاقة في تشاطر ومن غير أن يعدم وسيلة لكنه ابتغى سمو قناعة فغرّدت بشدو عفته الحروف أهازيج كلمات على متون سطور ,مثلما صدحت حناجر تملأ الجوزاء افتتان دهش من صوغ موزون مقفى واتقاد لظى لعواطف في أحشاء الحنايا والضلوع لوقدة معنى تباهي بها الأسماع على إيقاع كل صوت رخيم , وذوق رهيف . إن الكياسة في ألق الحضور وحفاوة الجزالة في رزانة التعبير عن مكنونات الذات ومكارم النفس في عصامية الذات , هي سُكْر الأنفاس ما بين شهيق وزفير , وولادة وصيرورة أعمار , وسيرورة حياة ترسم معالم كينونة لدلالة المرء قيمة وقامة في معيارية أنساق الحياة وعي مهابة من وقار في نبالة محاكمة عقلية تشع نضارة قيم وتفيض نفح عبق وثراء طيب من أردان كل حراك في دروب الأعمار ومحاكاة الصروف والظروف , إرادة تكيف وأناقة حسن تدبر وحصافة جَلَدٍ من دون بذل النفس في إهراق ماء وجه بحثا عن غنائم على مطامع مطاياها بروق أرياح على حساب تعثر حال أو اقتناص فرط حاجات وحاجيات تقتضيها تساؤلات الحياة مأكلا ومشربا وملبسا وواقع ألف طلب وطلب في مفردات كل حاجة ما بين ضرورة وشراء . إن الشطارة واحدة من المفردات في المعاجم من الكلمات ضمن جانب من معجميتها غير لطيفة التوصيف بل من القوارص في المعنى والقاسية في مرماها توصيفا أو نعتا . حق المرء في أي عمل أو بيع أو شراء ألا يضيع تعبه , وألا يخسر في منتج أو سلعة , ولكن ألا يغدو سر الربح شطارة وكثرة الغلّة أغلالا تصفّد يديّ من وقعت به ظروف الحياة اليومية أن يبتاعها , وإذ به ما بين زبون ومأساة صيد في كمائن وطرائد وثمة فرق شاسع وبون واسع ما بين منطق في ربح وبين اقتناص في شطارة أو تشاطر . إن الربح لحظ شراء , لكن الإنسان مقام حضور لمنزلة القيم في رحابة الضمير وأصالة القيم في معنى التراحم والتعاضد وشهامة الرقي في سعادة الوعي ضمن مدارات كل فعل إنساني أخلاقي حضاري معتق في أكنان القلوب نبالة إنسان في ركاز كل فعل حميد . أيعتقد المتحذلق أنه صاحب مهارة تحمل في ثنايا عبقريات خبرات وأساطير علوم ومعارف أم مفاتيح شبكة عنكبوتية من صناعة ألياف ضوئية , حتى مَن ركلَتهُ لحظة ظرف في مقاربة شراء حاجة حتى يتفنن في استحلابه فرصة لمزيد من ربح على ربح أضعاف مضاعفة ؟! لا شك أن الذّكاءات التسعة , بأي وميض لثغر من ثغورها يفيض شعاعا من إدراك فلا يخفى فعل لملتوي شفتين يدعي براعة مهارة في تشاطر . إن القيمة الإنسانية هي الأبقى والشبع النفسي هو الزاد لسحر الحضور في مآقي العيون التي تعي بإشراقة جمالها رؤية ورزانة عقل صاحبها رؤيا بصيرة , تراها تسترحم رهافة الحس الإنساني فتقارب فعل خير إلى خير ودنياها رجاء سعادة في عمل وصالحات أعمال في خير نسب . وإذا تناسبت الرجال إلى الرجال فما أرى نسبا يقاس بصالح الأعمال . شتان بين ربح ينشد منطق جهد وحيثيات مصروف ونفقات يقرؤها العقل فيطمئن لها وبين جشع مفرط في رهانات شطارة تجافي كل ذكاء وتقارب كل تعب في دلالة الشطارة معجميا في معناها دلالة وألما في سلوكها واقعا . أصحاب مهن وعراقة كار في صنوف المنتجات ومحال البيع والشراء على اختلاف مستوياتهم الاقتصادية يقدمون النبل الإنساني خير ترحاب وتحايا وسلام على غايات ربح مادي . وهناك آخرون نصبوا شراكا وأحسنوا دربة أنفسهم على معسول الكلام فترانا لا نراه إلا حشفا وسوء كيلة فلا يمر به تذاكٍ وهو الحاضر في حقائق الواقع وهشاشة قراءة نفوس أعياها سعي لربح , وأقعدها وهن عن ربح قيمة في مطارح يشغلها أحسن الكلام وأجمل التعبير عن غنى النفس الفياضة بكرم الجمال جمالا . وثمة آخرون يتربصون بك مغنما وغنيمة عندما تطلب مهنة أو تصليح عُطْلٍ والحاجة تلح عليك وغياب فكرة العمل أو الإصلاح غائبة عنك وربما الخبرة والأدوات , فعندئذٍ تتبدى الخبرة مزادا علنيا لما يضنيك ضرب أخماس بأسداس ولا نتيجة في عدد يقارب حسابك فحساب الحقل لم يوافق حساب البيدر . ما أجمل بشاشة وجه يفيض طمأنينة تلاق بتلاق , وتراحم إنسان بإنسان, وفرح يد بيضاء تعطي وخضراء تكافىء ! ما أجمل أن يغدق الذكاء شلالا من ألمعية نباهة في حسن مقل , وجمال سلوك ! وما أمرّها تلك الشطارة , تعثر همة على دروب التذاكي الواهن ! إن الحياة ربحها الإنسان الجميل وعيا وربحه صدق في الحياة مآثر خير وحب ومحبة وتراحم لكأنه في نضارة وجوده صنو” أبين من فلق الاصباح.”

نزار بّدور

المزيد...
آخر الأخبار