سأغادر أرض واقعنا اليوم إلى أجواء سحرية وعالم لا ينسى يطير بي إلى ذلك الزمن الجميل ومايحمله من عفوية وبساطة … سأتحدث عن أمي التي كانت تنشغل في مثل هذه الأيام من السنة بصنع مؤونة البيت من رب البندورة إلى دبس الفليفلة والمكدوس والكشك والمعاقيد بأنواعها إضافة إلى الحنطة المقشورة والبرغل ..
كان عمرها تجاوز السبعين وظلت تدافع عن وجودها وقوتها البدنية بالتحايل على الحياة ومصاريفها الكثيرة لتوفير بعض النقود لأيام الحاجة .. فتقول : سأظل أعمل حتى يأخذ الله صحتي وروحي ، لأرد وقلبي يغوص في حزن دفين ” يبعد الشر عنك “
مهما تحدثت اليوم عن ذكرياتها لن أستطيع توصيف نظراتها أو أسمعكم تنهدات تعبها وهي تسعى هنا وهناك والتي تشغل خيالاتي المشحونة بالرجوع عشرات السنين إلى الخلف ..
الشيء الذي تتعب به الأيادي يصبح أغلى وأفضل وذا قيمة أكبر هكذا كانت تقول دائما ً هي عادات ورثتها الأمهات عن أمهاتهن ، ببرنامج سنوي يمشين على إيقاعه أمهات الأمس … لتمتلىء سقيفة المنزل وخزن المطبخ بما لذ وطاب من مؤونة والذي كان مطبخها يحافظ على كيانه لمدة طويلة من الزمن ويصبح موردا ً لإطعام الأسرة والضيوف الوافدين إليه وهم كثر .. أحن إليه اليوم لأنني عشته وساهمت ببعض منه ، أحلم اليوم به كذكرى معنوية لم أستطع كما غيري من الأسر الحفاظ عليه ، أجاهد في إنعاش ذكراه أو تقليده، أنادي، أنظر إلى أوانيها الفارغة فلم أتلق ردا ً، افتقدت روحاً لن تستجيب إلى ندائي، لأن الأمور السلبية والأزمات الحالية بما فيها شح الغاز والكهرباء خلقت لدينا متعة الكسل والاتكالية لنعتمد في شراء المؤونة جاهزة من الأسواق والتي استطاع حصار الحاضر أن يمحو تلك العادات في حياة الأسر رغم محاولتنا استنساخ بعضها لكن دون جدوى ..
عفاف حلاس