الملاحظات التي سأذكرها لا أزعم أنّني وحدي أعرفها، إذا أنّ الكثيرين من ذوي النّباهة لا بدّ أنّهم قد توقّفوا عندها، وربّما كان موقفنا واحداً في تقييمها، أعني الذين يتمتّعون بشيء من الوعي، وبالقدرة على التحليل والتركيب البسيطين.
من هذه الملاحظات أنّ مشاركاً أو مشاركة، يغيّر صورته الموضوعة على صفحته، فيتلقّى مئات الإعجابات، لاسيّما حين يكون المشارك أنثى، فينهال من الشباب الظامئ إلى الكثير، والمحروم من الكثير، نهر متدفّق، بماذا الإعجاب ؟ كلّ واحد هو وما لاح بخاطره من إثارة ، وتختلف الإثارات باختلاف العمر، والجنس، والثقافة، فليست استثارة شاب مراهق تجاه صورة هي كاستثارة من تجاوز منتصف العمر، واتّصف بشيء من النّضج، وبظني أنّ هذه الاستثارة تختلف بين بلد وآخر، بحسب الدرجة ، فليست الاستجابة واحدة بين شاب مراهق من أهل أوروبا التي لايشكو شبابها من أيّ كبْت، وبين بلد شرقيّ ما زال على تقاليده الموروثة منذ أكثر من ألف عام ممّا نعدّ، في الوقت الذي ينشر فيه كاتب أو شاعر معروف بإبداعه نصّاً ما، فما يكاد يمرّ به إلاّ بعض أصدقائه، أقول ( بعض) لأنّ ثمة من بين الأصدقاء من حصلوا على الصداقة، وأداروا ظهرهم، حتى كأنّهم من هُواة ” جَمْع الأصدقاء” إسميّاً،.. وإن حصل على بعض الاعجابات، قد يؤنسه فيها أن يجد عددا من الأسماء التي يحترمها، ويُقدّر ذوقها، وثقافتها، فيرشّ إعجابُ هؤلاء ندى كالسلسبيل في المذاق.
إنّ ما سبق، مع أشياء عديدة غيره، يؤكّد أنّ صفحات التواصل الاجتماعي، في بلدان كبلداننا لا يمكن أن تشكّل أرضيّة لإنبات أزاهير الثقافة والوعي، إلاّ لدى قلّة قليلة، كما أنّ ما يُنشر، في غالبيّته ليس بذي قيمة، وأنّ المواضيع القيّمة، أو التعليقات السريعة العميقة، قلائل هم الذين يكتبونها، لذا لابدّ من تفعيل المؤسّسات الثقافيّة المنوطة بها أمانة نشر الوعي والثقافة، ليكون عملها أشمل وأعمق، وضمن خطّة إستراتيجية تناسب طموح الخروج من دائرة الخراب المادي والمعنوي الذي لحق بأجيالنا.
عند هذه النقطة أشير إلى أنّه ثمّة هوّة مُخيفة خاصّة بالوعي والثقافة بين أجيالنا الصاعدة، والتي جعلها الخراب الذي مرّ، والفساد المنتشر، تدير ظهرها بلا مبالاة للقيم التي تُبنى عليها المجتمعات، فاهتماماتهم ما هو مستقبلهم؟!! كيف سيعيشون؟!! هل باستطاعة أحد منهم أن يفكّر بالزواج وهل يقدر عليه وعلى تكاليفه، وعلى حمل أعباء حاجات بيت وأولاد، وهو بلا عمل؟!!
ها هي مياه الموضوع تجرّنا ربّما بعيدا بعض الشيء عمّا بدأناه ، ولكنّه ليس خارجا كليّاً، فالأمور مربوط بعضها ببعض،..إنّ ما سبق يفتح العين على هذا التّهافت للهجرة، لاسيّما إلى أوروبا، حيث ( اللّجوء)، والحياة المؤمَّنة الكريمة، وقد يحقّق بعض المكاسب التي قد يرفد بها أهله الذين غادرهم، وهكذا تكسب أوروبا التي بلغت في السنّ درجة الشيخوخة نتيجة عدم الإنجاب،.. تكسب الشباب الذي ربّينا، ورعينا، وتمدّ أنساغ شيخوختها بنسغ الوافدين.
هكذا بدأنا بالحديث عن ملاحظات فيسبوكيّة وانتهينا إلى تلك المياه والآفاق التي يُلقي فيها شبابنا بأنفسهم عبرها مغامرين مُغادرين وفي قلوبهم حرقة الحنين، وترْك الدّيار والأهل والولد، رهاناً على أمل معقود في النفوس.
عوْداً على بدء، أناشد أصدقائي على الفيسبوك الذين ليس لهم إلاّ حضور اسمي أن يتكرّموا بإلغاء صداقتي لأنّني لو أردت فعل ذلك لاحتجت إلى جهد لا أملكه، فساعدوني في ذلك ولكم جزيل الامتنان، ليتّسع العدد لمن لا يُدير ظهره..
عبد الكريم النّاعم