تحية الصباح .. الغناء نداء الذوق الرهيف..

 ثمة نظريات عديدة تتحدّث عن نشأة اللغة , ومن تلك النظريات نظرية ((محاكاة أصوات الطبيعة)) عبر تلك الأفعال التي تحدثها, ثم تطورت الألفاظ الدالة على المحاكاة , وارتقت بفعل ارتقاء العقلية الإنسانية , وتقدّم الحضارة  وإذا ما كانت الطبيعة مدرسة غنية الإيحاءات والحيثيات في بنيتها الكلية , وثراء إيقاعاتها , فلا شكّ أن الإنسان في كينونته واقع حال له حيثيّاته أيضا في تفاعله مع ذاته ومع الطبيعة والحياة أيضا , يحدوه إلى ذلك جانبا العقل بإدراكه , والوجدان بأطياف مشاعره وانفعالاته وأحاسيسه.. وإذا كانت اللغة أصوات , ودلالات أخرى , فإن الحرف صوت ناهض من أعماق الجانبين : العقل والوجدان, ومن إرهاصات الحياة في هويّها وصعودها , مابين مدّ وجذر , فيكون التعبير موضوعيا حيال قضايا عامّة في لواعج النفس , وحنايا الوجدان, وقضايا التأمل والتفكير , ويكون الحرف صوتا إنشائيا لخاصية الذات في ملاوصتها لتحديات تقاربها ضمن واقع معيش من آمال ولهفات إلى تطلّعات و رغائب وإذا ما كانت اللغة منظومة من مفردات , ينتظمها خيط شعوري, وتجود بها قريحة , فإن كلا من التعبير الموضوعي , والإنشاء الذاتي نجدهما حاضرين في وعي التفكير موضوعات وأبحاثاً , وفي دفق المشاعر غنائية فردية , تغنّي لذاتها , وتغنّي لغيرها , لأن الغناء , هو هذا الشدو الطالع من أعماق الأنفاس , والمسافر على ألف جناح وجناح في رحب آفاق تنبسط ذراعيه مدى على مدى , ويتشرّبها صقيل يتجاوز حنينه مرامي كلّ سراب إن الغناء, هذا البوح المتّقد لظى في حرقة وجد , أو إرادة جلبة في ساح وغى , أو بعض وشوشات في أذن الجوزاء شكوى أنين لتباريح هوى في مكابدة صدّ هنا , وهجران هناك , أو رسم معالم صور لأشواق , وحكايات لدمعة على خد أسيل , راحت تطيف على جفن راعش , أهدابه وسنى من متاعب الأشواق , وقد قيّدها فرح في ” قارئة فنجان” لكن أسعدها في ((سكن الليل)) وأوقدها كبرياء شموخ في نباريس الضياء عزّة صوب المدى .. ساميات الذرا ,أمجادا(( من قاسيون أطل يا وطني )) والكثير في دنيا فصل القول, وبلاغة الخطاب. إنه الغناء : لغة النفوس , وترجمان العواطف , وفعل الرسالة الراقية في وعي الجمال تربية جمالية , رهيفة الأحاسيس, سامية الدلالات, نافحة الطيب في أنفاس الربا , زهو جمال إلى جمال في دنيا التسامي المتألق شفافية انتباه إلى وقع الهمس في معاضدة صلابة فكرة , هي آبدة صمّاء مابين فكرة لمقدح ذهن وثّاب في الابتكار إبداع كاتب , يجعل الكلمة هي الأغنية , وموسيقي , وقع أنغامه ترانيم تعانق الفضاء أمواجا من أنوار وضياء فينبسط لها الشعور سرحاً, ومابين هاتيك الترانيم وجماليات الفِكر , وبراعة الفنان الحقيقي أصالة موهبة مصقولة بدربة ومدارس فنية يغدو الغناء تكاملية رسالة , يقرؤها المتلقي نشوان مابين بصيرة فتثمله, وأذن تعشق غالباً بعمق التأمل عبر بصيرة فهم حذق ما يأخذ بالمرء إلى عوالم لكأن الحياة تغني له… إنه الغناء الحاضر في أذواقنا لأساتذة , هم نجوم في إشراقات الزمن الجميل , المتجدد بإبداعات ومتلقّين يقرؤون الفن الأصيل مثل قراءة الحِكم التي تتجاوز قيد الأزمان أكان في أغنيات بلهجات عاميه أم بقصائد , لها الذوق الرهيف كل إنصاتٍ ((الأطلال , إرجع إلي..)) فأولئك وإبداعاتهم : كاتبا وموسيقياً ومغنياً لن تدانيهم سنين عجاف من ذواقة أرهفوا السمع لوقع فن , هو الغناء رسالة غاية في المتعة والجمال… هذا الغناء مكمنه: عند العرب أساس الشعر أن يكون متسعا لتعلّم الغناء وألحانه , وتذكر كتب التراث وتأريخ الأدب أن المهلهل أقدم الشعراء كان يقصِّد القصائد ويغنّيها وغيره عبر تعاقب الأعصر من شعراء المعلقات مثل عنترة ,ولاحقاً الخنساء وغيرها , وكثيرا ما كانوا يصحبون آلات موسيقية معهم, ولعلّنا نعرف أن الأعشى صنَّاجة العرب فشعرنا العربي منذ نشأته, هو شعر غنائي , حيث الإنشاد والحداء والظعائن.. (( ياحادي العيس)) و دعوا إلى التغنّي بالشعر : – تغنَّ بالشعر ! ماكنت قائله إن الغناء لهذا الشعر مضمار ومن الجميل ذكر مكانة الغناء في إراحة النفس , وهدوة البال, وتحقيق التنفيس الانفعالي عبر رسالة الفنّ نشراً , وكلّنا يذكر ذاك الإعرابي الذي شكا ((للدّارمي))كساد خُمْرٍ سود لديه , وهو غريب دار, و قد قاربه ليل , فما كان من الدارمي إلا أن صاغ شكواه له أبياتاً لتغنّى من قبل صديق له : – قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بزاهد متعبّد ؟ فكان للخُمر أن أضحت أكمام بهاء على وجوه تغنيها أقمار .. وترانا لا نملّ عذوبة صداح عذْبٍ نسمع .. وحتّى عند اليونان كان ((هوميروس)) يغنّي شعره , إنه فن الوجدان في استمالة متاعب جهد وقيمة انفراج في تعبيريا لجماله غناءً عبر مناغاة طفل في سرير , أو صدى مقطعات في مواسم حصاد , أو حفاوة في عز أعياد للبطولات كل ساح , وللنصر أغاريد  إنه الغناء الذي سكن أفئدة فهزّت أصحابها بمكين مضامينها , وطرافة الأخبار أن بعضاً كان قد رمى نفسه ((بالفرات)) لشدّة تأثره , ولا غرابة في لحظة وجد وانزياح انتباه ! وفي قصص العرب فِقرات كما ((لجميلة)) المغنية من مثل : الغناء يحي القلب  هذا الغناء وعي جمالي , ورسالة تربوية , وتطلّع راقٍ لكلمة أغلى , وموسيقا أحلى , ومغنٍّ نوعي السعي نحو أصالة حضور في مرامي الفن الجميل متعة في ذائقة , ومدرسة في فائدة , وما أروعه قصائدَ !.

نزار بدّور ..

 

المزيد...
آخر الأخبار
لمتابعة الأوضاع الميدانية في حلب… اجتماع في رئاسة مجلس الوزراء لبحث سبل تقديم الخدمات في المحافظة بيان للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة حول الهجوم الإرهابي للتنظيمات المسلحة على جبهتي حلب وإدلب تطبيق gps"" على سيارات الإطفاء يعيق تنفيذ المهام.. محمد :نعاني نقصا بالكادر والآليات وعدم كفاية الا... 100 قرية تنموية لتحقيق اقتصاد زراعي متطور حتى عام 2030 سيارة وحيدة وعادية  لنقل اللحوم من المسلخ البلدي!! المهدي : نعتمد على السيارات المشدرة والمغلقة.. المدينةالجامعية في حمص تفتح أبوابها وتحتضن طلبة حلب... ري المحاصيل الزراعية بمنصرفات الصرف الصحي يهدد صحة المواطنين .. د. رستم : انتشار الأمراض الوبائية و... الدفاع الروسية: القضاء على أكثر من 200 إرهابي بريفي حلب وإدلب خلال العمليات المشتركة مع الجيش العربي... الكرامة يفوز على تشرين بهدفين دون رد قواتنا المسلحة تواصل التصدي لهجوم التنظيمات الإرهابية في ريفي حلب وإدلب وتكبدها خسائر فادحة