تحية الصباح… القلم مرود الإبداع

إن الحنين إلى الماضي , لا يعني الثبات فيه , لكنْ جميلٌ التوقف عند بعض محطاته , إذ فيه دفء ماضٍ , وطمأنينة ذكرى أو ذكريات , مع أن الماضي مرجعية دثار لحقائق , وسردية تفاصيل , وغنى خبرات , هي مؤونة زاد لحاضر تواصل جهد لآخر , وماضٍ لحاضر .. إن الحياة مسارها سير دؤوب نحو المدى آفاقاً , وهذا سداد المنطق , وصدى كل اجتهاد وابتكار , وتوافق تليد في ما مضى , وطريف في ما يستجد .

هو الحنين إلى براءة الطفولة في بواكير السنين , وجرس يدوي يملأ المكان إيقاعاً , إذ فيه يد معلم توقعه ألحانا, ترانيمه دعوة لانتظام في صف وصفوف وفرص وانصراف , وثمّة دفتر بوريقات عشر , وممحاة لها شميم الورد والحلوى ولون الزهر , ومبراة تنشر قلق البدايات في الصف عبر برْيٍ للقلم , وقلم رصاص ملون أخّاذ , إذا نطق حرفا كان سعادة أيقونة في مرتسم مقطع , ولاحقا كلمات , وما بين رائحة ممحاة , ولباب قشر خشب لقلم يُبرى ثمة بهجة في حنايا الطفولة مابين علوم في مدرسة , وبعض أشياء هي كأنها دمى في أنامل , لها الزروع والورود كل محاكاة وصدى هذه الطفولة اليافعة لم يغب عن بصرها جمال الخط لقلم الرصاص الذي كان يتداعى زخرفات كلما قلّ بريه يتسع رسم الحرف جمالا , هذا الجمال لم يغب عن بصائرنا ذاك البريق , وتلك الأشكال لتلك الأقلام السائلة حيث تتصدّر مهابة جيب المعلّم , إذ كانت غير ما نكتب به , ولعلنا , كنا نتمنّاها بأيدينا ومن الطريف ذكره قول أحدهم : كنا نُمتحن لنيل شهادة (( السرتفيكة)) ونكتب بأقلام حبر , والمحبرة على طاولة القاعة لمن فرغ قلمه من المداد … إن خطنا لأنه بقلم حبر كان يبدو أكثر تماسكا , إذ علينا الدّربة والهوينى في ما نكتب , إنه القلم في مدادات الحنين والذاكرة , وجمال الشكل , في فرادة النّوع , ورزانة الحضور وهو القلم الذي أداة التواصل في عصر التدوين , وجسر العبور من الشفاهية إلى الكتابية , وفعل الوشم على معصم كل قرطاس تقرؤه عيون تعاقب أجيال , لكأنه حجر لصروح يزفها الإبداع وعياً إنسانيا إلى حيثيات عناق إنسان بحياة وتاريخ بجغرافية , وإنسان لإنسان مقدح ذهن إلى ذهن  وقد اتخذ القلم لذاته مكانة على قدر صاحبه سعة علوم , وغنى معارف حتى صار يُقال : فلان ذو قلم سيّال وفلان من أهل القلم  شرف ريادة في كرم عقول , بهاؤها في حفاوة إدراك قيم العلم نتاج ثنائية عقل ووجدان , مداها صوب كل انفتاح حيث الإنسان الرسالة , والحياة دلالة كينونة في تمايز أبهى . وهذا هو القلم رمزية مكانة في مقام الساميات دلالة , ولقد كان للعرب السبق في الكتابة بالقلم ذي الخزان , وتغنّى به الشعراء .

فهذا التغنّي كامن في دور القلم توثيقا , وفي فضله على الكتب تدويناً , حفظاً لمعارفها وعلومها وأنماط العيش والعادات والتقاليد والقيم والخبرات والمهارات والمقولات والفنون وشتى ضروب الحياة عبر متون كتب , ودفق عبقريات مبدعين ليأتي الجهد ثراء حضور إلى حضور اتساع فعل إنساني حضاري تتشرّبه العصور , وتقوله السنون , وترهص بإبداعاته لاحقات إبداعات ضمن حذاقة مبدع , سعته كل اجتهاد ومكانه كل مكان فبالقلم كما قال ابن المعتز: (( القلم يخدم الإرادة , ولا يملُّ الاستزادة)) فهو فم ناطق , ومشعل وعي في تجذّر بانتماء , ومقارعة غازٍ ومستبدٍّ ومستعمر وبغيض , فتراه نبوغ الجمال في مواجهة كل تحدٍّ وجهلٍ وخراب , وفيه دعوة نبوغ صوب كل خير , ونبالة محتد أصيل في أرومة المحبة والجمال , وما أكثر ماتغنّت قوافٍ مقارعةً لغزاة ومستبدّين فضحاً لهم ولإجرامهم وتدليساتهم في شفاههم الملتوية نفاقا من كلام معسول , وتغنّت قواف بعزِّ بطولات وشهامات تضحيات في أعراس كل فخر وإشراقة كل انتصار ليأتي القلم إرادة أداة في شهامة فروسية مبدع : أكان شعراً أم نثراً في كل علم وعمل وميدان مَعْلَمَ تجذّر في ركاز كل ضمير صاح , وبناء ينشد الحياة .

إنه القلم لأولئك الفرسان , مداد أقلامهم غيرية حب وانتماء , وإرادة بطولة في مواجهة كل زيف وتضليل , وتوكيد ثوابت لها الشرف الرفيع كل غاية , هم أولئك الذين يدركون أن حرية القلم هي المظهر الأسمى لحرية الإنسان في أسمى صورها , حين يمسك بالقلم ربٌّ من أربابه … فثمرات الأقلام تهزّ العالم هزّاً

إن القلم في مقاربة التقانة حاسوبيا يرسم حروفا جاهزة , لكنّه في معطى أنامل المرء تراه مصبوغا بأنفاس مطالع الأفكار مابين دمعة وابتسامة تدرّج مهارات وحميمية مباشرة مابين عقل ووجدان , وأداة هي القلم على حراك يد , فتراه حرفا يحاكي درّة غائص في مهاد فِكرٍ تلاوع مبدعها , وتراه ملحمة خبرة في سعة دربة هزجت لها الأيام والسنوات , وتراه شموخ راية في ذرا أطواد لكل عز وتراه بوح عنوان لكتاب يقصّ دنيا الحياة إعمال تفكير وسعادة جدل يتعب , لكن اغتباطه كامن في وقار حرف يتهجد في الوجدان في كل وجد , وفي مكين العقل ألمعية كل انتباه في إدراك , وفساحة في تفسير , وبراعة تأويل , ومثاقفة كل قول لبنات شفاه واعيات , وكلمات هي مجامر , صدى لقلم يكتب , ولقادمات هي أجمل !.

نزار بدور …

المزيد...
آخر الأخبار
لمتابعة الأوضاع الميدانية في حلب… اجتماع في رئاسة مجلس الوزراء لبحث سبل تقديم الخدمات في المحافظة بيان للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة حول الهجوم الإرهابي للتنظيمات المسلحة على جبهتي حلب وإدلب تطبيق gps"" على سيارات الإطفاء يعيق تنفيذ المهام.. محمد :نعاني نقصا بالكادر والآليات وعدم كفاية الا... 100 قرية تنموية لتحقيق اقتصاد زراعي متطور حتى عام 2030 سيارة وحيدة وعادية  لنقل اللحوم من المسلخ البلدي!! المهدي : نعتمد على السيارات المشدرة والمغلقة.. المدينةالجامعية في حمص تفتح أبوابها وتحتضن طلبة حلب... ري المحاصيل الزراعية بمنصرفات الصرف الصحي يهدد صحة المواطنين .. د. رستم : انتشار الأمراض الوبائية و... الدفاع الروسية: القضاء على أكثر من 200 إرهابي بريفي حلب وإدلب خلال العمليات المشتركة مع الجيش العربي... الكرامة يفوز على تشرين بهدفين دون رد قواتنا المسلحة تواصل التصدي لهجوم التنظيمات الإرهابية في ريفي حلب وإدلب وتكبدها خسائر فادحة