تحية الصباح .. أمنيات بسيطة

قبالة بيتنا يسكن جار يمكن أن يوصف بالبساطة، فهو لم يُتح له من العلم إلاّ ما يفكّ به الحرف، وربّما بصعوبة، عاش حياته يعمل في مهنته، إطلالةُ بيته على الشارع مميّزة، فقد زرع شجرتي زيتون هما الآن تستقبلان الشمس والضوء بأغصانهما الخضراء، يتفقّدهما كما يفعل أيّ بستاني محترف، ويقول ما معناه : “الشجر يحتاج ليد تظلّ مشغولة به”، المساحة التي أمام بيته، وباتّجاه أوسع قليلا تكاد تلمع نظافة، فهو يوميّا يكنس تلك البقعة، ولا يترك فيها شائبة، ويجلس مع أحد أصدقائه قرب الزيتونتين يتناولان أقداح الشاي، شاهد حُفرة في الطريق الذي تمرّ عبره السيارات،.. حُفرة إذا لم يتنبّه السائق لها فقد تؤدّي إلى عطب في السيارة، فلم ينتظر البلديّة حتى تأتي وتردمها، فهو مدرِك أنّ هذا لن يكون، فملأ الحفرة بالحصى، وببعض الرمل، وسوّاها بيده، فهي قُبالة بيته، نظرتُ إليه ذات مرّة وهو لا يكل، فتذكّرت أنّني قرأتُ، أو سمعت أنّهم في الصين أيام ما وتي  تونغ كان سكّان كلّ شارع مسؤولين عن نظافة شارعهم، وعن المحافظة عليه، فيباكرون صباحاً لينظّف كلّ واحد أمام بيته، وأدركت فجأة أنّ العلّة تكمن في فارق صغير، هي تلك المسافة بين أن يُعجبك الشيء، و…بين تمثّله، والاقتداء به، فنحن ما زلنا تعجبنا الأشياء النبيلة، ولا نسعى لتطبيقها .

فجأة داهمني سؤال عن علاقة الوجدان الحيّ، والهمّة العالية النظيفة،  وازددت اقتناعاً أن بناء الإنسان السليم، وتنمية الوجدان الجيّد هي غاية لا تعلو عليها غاية .

                                             *******

جاءه صديقه وحدّثه أنّه زار قريبا له في حيّ بعيد نسبياً عن حيّه، وجلسا خارج البيت، قرب بابه على كرسيين حديديين وجلسا يتسامران، ويشربان المتّة، ويدخّنان، فجأة انتبه إلى أنْ ليس في ذلك الشارع عرْق أخضر، فازداد إحساسه بالجرادة، فقال لمَضيفه:” أنظرْ هذا المنظر الكالح، أفلا تكفي كلوحة الأيام، يا رجل، أولم يفكّر أحد فيكم أن يزرع شجرة أمام بيته”، فرد مضيفه:” والله معك حقّ، لكنْ .. شو بيعرّفني”، فردّ: “عليه أظن لو أنّك بدأتَ بنفسك، فربّما تحرّكت الغيرة في نفس جارك فيفعل كما فعلت، وإذا اخترت شجرة دائمة الخضرة، فلك أن تتصوّر كيف سيكون منظر هذا الشارع بعد ثلاث أو أربع سنوات”،تنهّد بعمق وقال له:” لا أدري ما سرّ القرابة الجوّنيّة بيني وبين الشجر بعامّة، فهي تُبهجني كلّما نظرت إليها، وذات مرّة مررتُ بشارع في المدينة وكانوا يهدمون بيتا فسيحا لإنشاء بناية طابقيّة، وكان ” التّركس” قد أنشب أظافره الحديدية بما حول شجرة وارفة، ومال عليها فسمعتُ طقطقة صوت شروشها، فجريت مسرعاً كي لا أسقط معها، وكيلا تهرسني جنازير الآلة الصماء، وتذكّرت أن بقاع طفولتي كانت خالية من الأشجار إلاّ فيما ندر، ورأيتُ نفسي أذهب طفلاً إلى جهة الغرب، قرب مجرى النهر الذي ابتلعه سدّ الرستن، بما حوله، كما غمر القرية كلّها،.. لأجلس تحت ظلّ شجرة من تلك الشجيرات التي كنتُ أشعر بالكثير من الأنس والألفة حين أجاورها، ولأقترب من ظلال شجيرات كثيفة كانت تشكّل دغلاً صغير المساحة فوق قبر ” الشيخ صالح” الذي لا نعرف عنه إلاّ الاسم، ولأحلم بما لا أعرف…

عبد الكريم النّاعم

aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار
لمتابعة الأوضاع الميدانية في حلب… اجتماع في رئاسة مجلس الوزراء لبحث سبل تقديم الخدمات في المحافظة بيان للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة حول الهجوم الإرهابي للتنظيمات المسلحة على جبهتي حلب وإدلب تطبيق gps"" على سيارات الإطفاء يعيق تنفيذ المهام.. محمد :نعاني نقصا بالكادر والآليات وعدم كفاية الا... 100 قرية تنموية لتحقيق اقتصاد زراعي متطور حتى عام 2030 سيارة وحيدة وعادية  لنقل اللحوم من المسلخ البلدي!! المهدي : نعتمد على السيارات المشدرة والمغلقة.. المدينةالجامعية في حمص تفتح أبوابها وتحتضن طلبة حلب... ري المحاصيل الزراعية بمنصرفات الصرف الصحي يهدد صحة المواطنين .. د. رستم : انتشار الأمراض الوبائية و... الدفاع الروسية: القضاء على أكثر من 200 إرهابي بريفي حلب وإدلب خلال العمليات المشتركة مع الجيش العربي... الكرامة يفوز على تشرين بهدفين دون رد قواتنا المسلحة تواصل التصدي لهجوم التنظيمات الإرهابية في ريفي حلب وإدلب وتكبدها خسائر فادحة