اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل: عملنا بداية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وكشف الحقيقة
أكدت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل أن عمل اللجنة ليس إلا بداية لتحقيق العدالة والقصاص من الجناة وإنصاف الضحايا، وكشف الحقيقة لتعزيز الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، مشيرة إلى أن الجهات الحكومية لبت كل طلبات اللجنة للتعرف على هوية الشخصيات الممكن ضلوعها في الانتهاكات.
وخلال مؤتمر صحفي عقده بدمشق رئيس اللجنة القاضي جمعة العنزي، والمتحدث الرسمي باسمها المحامي ياسر الفرحان، استعرضت اللجنة منهجية عملها وآليات التحقق من الوقائع والنتائج والتوصيات التي توصلت إليها، مشددة على التزامها بالمعايير القانونية والمهنية، واعتمادها منهجية دقيقة بالتعاون مع الجهات الرسمية والمنظمات الدولية.
ووجهت اللجنة في مستهل المؤتمر تعازيها الحارة لأسر الضحايا من المدنيين والعسكريين، مؤكدة أنها أنهت عملها ضمن المدة المحددة في قرار إنشائها، وسلمت تقريرها النهائي مع كامل المرفقات إلى رئيس الجمهورية يوم الـ 13 من تموز الجاري، بعد عودته من زيارة خارجية، حيث تزامن ذلك مع أول أيام الدوام التالية لانتهاء ولاية اللجنة، وأن الأحداث الأخيرة في الجنوب أخرت هذا الظهور الإعلامي.
وقالت اللجنة في بيان تلاه المتحدث باسمها المحامي الفرحان: إنه بمبادرة من الحكومة السورية وإيماناً منها ومن اللجنة بتعزيز الحق، وبنشر مضمون التحقيقات والنتائج الرئيسية، نوضح بدايةً أن نص بيان مؤتمرنا الصحفي هذا يشكل ملخصاً قابلًا للتداول، ريثما تبت الرئاسة في كيفية التعامل مع باقي عناصر التقرير من النواحي الحقوقية والقضائية والأمنية والعسكرية والسياسية، وفقاً لما هو شائع في آليات وإجراءات التعاطي مع تقارير لجان التحقيق الوطنية والدولية.
وأوضح البيان أن اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل المشكلة بقرار رئيس الجمهورية، اعتمدت في أداء مهامها على الرصد العام والتقصي والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة ضمن إطار ولايتها، الممتدة مكانياً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانياً للنظر في أحداث مطلع شهر آذار وما يليها، وموضوعياً للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث، وللتحقيق في الانتهاكات التي تعرَّض لها المدنيون، وللتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات الحكومية ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عن كل منها، وإحالة من يثبت تورطهم إلى القضاء.
وأشار البيان إلى أن اللجنة تواصلت بشفافية مع السوريين والسوريات بشكل مباشر وعبر الإعلام، وعقدت اجتماعات متعددة ومفيدة مع مختلف أطراف المجتمع الأهلي والمدني وممثلي النقابات المهنية، ومعظم الشخصيات من النخب والأعيان والوجهاء.
وسياسات الدولة في حماية المدنيين، وبمساعيها في حفظ الاستقرار والسلم الأهلي، ورغم عدم وقوع فوضى أو أعمال ثأرية واسعة تعرضت مناطق عدة لانتهاكات مختلفة بحق المدنيين، ولأعمال عدائية تعرضت لها القوات الحكومية.
وأضاف البيان: إنه في يوم 6 آذار 2025 نفذ الفلول سلسلة عمليات عدائية واسعة، استهدفوا فيها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مقرات الجيش والأمن العام، والحواجز والدوريات التابعة لها، وقطعوا الطرقات الرئيسية، وقتلوا حسبما توصلت له اللجنة 238 شاباً من عناصر الأمن والجيش في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، بعضهم قُتلوا بعد أن ألقوا سلاحهم نتيجة لمفاوضات جرت بوساطة الوجهاء، وبعضهم قتلوا وهم جرحى يتلقون العلاج، وبعضهم قتلوا وهم أسرى، ودفن الفلول بعضهم في مقبرة جماعية، واستهدفوا الطرق العامة والمستشفيات، وأخرجوا ستة منها عن الخدمة، كما قتلوا عدداً من المدنيين السنة وفقاً لمعلومات تبلغتها اللجنة ولم تتمكن من تدوين بياناتهم وفقاً لمعاييرها.
وتابع البيان: إنه من خلال إفادات الشهود من عائلات الضحايا وأهالي المنطقة والموظفين الحكوميين ومحاضر استجواب الموقوفين وبفحص الأدلة الرقمية وقرائن وأدلة أخرى، توصلت اللجنة إلى أسماء 265 من المتهمين المحتملين، المنضمين إلى مجموعات المسلحين المتمردين الخارجين عن القانون، المرتبطين بنظام الأسد والشائع تسميتهم بـ “الفلول” وممن توفرت لدى اللجنة أسباب معقولة للاشتباه بتورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة كالشتم بعبارات طائفية والسلب المسلح، والتعذيب والقتل الواقع على موظفين خلال قيامهم بوظائفهم والتمثيل بجثثهم وقتل المدنيين، وإثارة النعرات الطائفية، ومحاولة سلخ جزء من أراضي الدولة السورية عن سيادتها وفق أحكام قانون العقوبات السوري العام رقم 148 الصادر عام 1949 وقانون العقوبات العسكري رقم 61 الصادر عام 1950.
خوفهم على دولتهم وعائلاتهم من عودة نظام الأسد وتكرار الفظاعات المروعة التي ارتكبت بحقهم، أو من أجل نجدة أبنائهم المتطوعين في القوات الحكومية والمحاصرين من قبل فلول الأسد، أو بدوافع الانتقام ممن يظنون أنهم شاركوا في قتل أحبائهم وتعذيبهم واغتصابهم، ومنهم من شكل عصابات أشرار بقصد القتل أو النهب والسرقة، ومنهم من انتحل صفات العناصر الحكومية لكسب منافع خاصة غير مشروعة أو للإساءة، ومنهم من ينتمي لمجموعات الغجر التي تقطن المنطقة، والتي انضم كثير منها أو تعاون سابقاً مع شبيحة نظام الأسد ضد معارضيه.
الجدد إلى الفصائل خلال الفترات الأخيرة.
ولفت البيان إلى أن اللجنة لاحظت في تحقيقاتها أن سلسلة التدابير والتعليمات والأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية، ومن وزير الدفاع ووزير الداخلية قبل وخلال وبعد أحداث آذار 2025 ركزت على حماية المدنيين وعلى الالتزام بالقوانين، وأن درجة واسعة من الانضباط تميزت بها القوات الحكومية، وأن جهوداً حثيثةً بذلتها الدولة للحد من الانتهاكات، وأن أفراداً متهمين أحيلوا للمساءلة، وأن آخرين تعاونت الجهات الحكومية مع اللجنة لكشفهم، وأن اندماج الفصائل تحت هيكلية وزارة الدفاع ما زال في بعضه شكلياً، اتسم بأنه لم ينظم ويستكمل بعد، وأنه جرى بهذه الصورة بوصفه حالة من الضرورة لتغطية الفراغ الذي أحدثه حل جيش نظام الأسد المتورط بإبادة المدنيين.
وبيّن البيان أن سيطرة الدولة الفعلية خلال الفترة المستهدفة بالتقرير كانت جزئية وأحياناً منعدمة، وأنها ما تزال في مرحلة إعادة بناء مؤسسات الأمن والجيش، بعد الانهيار التام لأجهزة الحكم القمعي المتورطة بإبادة الشعب السوري، كما لوحظ خلال ذلك انضمام مجموعات وأفراد جدد إلى الفصائل بشكل عشوائي.
وأوضح البيان أن اللجنة تدرك أن قرار رئيس الجمهورية بإحداثها لإجراء تحقيقات مستقلة، وتأكيده غايتها بمعرفة الحقيقة وعزم الدولة على المضي بإجراءات لمحاسبة المتورطين وإنصاف الضحايا، يعبر عن استجابة الدولة لمعالجة الانتهاكات، وتفصح اللجنة عن واقع ما لمسته من التزام لدى الجهات الحكومية باستقلاليتها وبتقديم كل المعلومات التي تطلبها لأغراض معرفة الحقيقة.
وقال البيان: إنه في مناقشة اللجنة للقانون واجب التطبيق على الأفعال المرتكبة محل ولايتها، لاحظت الحاجة إلى مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصدق عليها في سوريا، وفقاً لمقتضيات الإعلان الدستوري وأحكامه، الأمر الذي يستدعي استكمال إجراءات تشكيل السلطة التشريعية، ومن أجل المضي بإجراءات عملية في المحاسبة توصلت اللجنة إلى قناعات بتوصيف الأفعال المرتكبة، وإحالة المتهمين المحتملين فيها إلى القضاء السوري المختص في الجمهورية وفقاً لأحكام القانون الوطني السوري، وعليه أحالت اللجنة إلى النائب العام لائحتين بالمشتبه بتورطهم في الاعتداءات أو الانتهاكات، الوارد توضيحها في الفقرات (2) و (11).
ستقوم بواجبها.
بدوره شدد المتحدث باسم اللجنة المحامي الفرحان على أن العدالة الانتقالية وجبر الضرر وتعويض المتضررين من الجرائم الجسيمة تمثل أولوية في المرحلة المقبلة، وأنه لم يلمس أي تدخل من الدولة في عمل اللجنة التي أنجزت مهمتها بكل شفافية وجدية، داعياً جميع المواطنين ووسائل الإعلام إلى التعاون والإبلاغ عن أي معلومات تساعد في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.