ثقافة اللغة العربية : جمالٌ وجلالٌ وانتماء

سبعة عشر قرناً واللغة العربية تواصل حضورها في ثنائية دورها : مثالية تواصلية , ومجازية إبلاغية تؤكد معنى أنّ اللغة , في هذا الجانب أصوات تعجبية , وهي في كلا الأمرين , إنما هي لغة / الضاد/ الضاربة الجذور في مهاد الذاكرة والوجدان والأصالة كونها أرومة تجذّر , و إرادة حضور في تكاملية وعيها الثقافي والإنتاجي / الإبداعي , والواقعي المعيش عبر تعاقب العصور هذه اللغة , الهوية , واللسان , وبذار العقل المبدع , والنسج المتماهي بأنساق ذات أضرب متعددة ما بين نحوية و إملائية وصرفية , ودلالية , ومعجمية تترافد فيما بينها لتكون لغة / الضاد / في نبوغ حضورها وديمومتها .إنها اللغة العربية التي تأصلت في دقة بنيتها الصوتية حرفاً , سواء أكان ذلك في صوائتها , أم في صوامتها , أم بكليهما معاً ليغدو الحرف نسقاً تعبيرياً , ووعياً جمالياً أيضاً .وقد توقف الدارسون والباحثون عند أنواع الحروف ما بين هامسة من مثل : ت , ث , ح , س , ص ….., و أخرى جهرية يصاحب نطقها ذبذبة اهتزازية لأصوات ناتجة من أوتار الحبال الصوتية من مثل : ب , د , ز , ض…. وغيرها سائلة من مثل / ر , ل , ن / .ولذلك نجد أن الشعراء توقفوا عند أهمية القافية , ولا سيما الروي فيها لإدراكهم دلالة حرف السين نجوى تعبير في خفايا الروح وهج صدى والقاف مدار قلق في هواجس القلق وقد عز اللقاء , كما صار الأمر وجع تحدٍّ عندما صفا الجو رقة وعذوبة إشراقة من دون أن يوقد جماله بلقاء المحبوبة « ولادة « عند ابن زيدون فكان قلقه في قوله : إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا و الأفق طلق ووجه الأرض قد راقا كما توقف أولئك الدارسون الباحثون عند توافق بعض الكلمات في مخارج تتراءى عبر حرف واحد لتدل على معنى واحد , كما الحال في : باح , ولاح , وفاح , فالحاء حرف مشترك لثلاثة الأفعال , مثلما البوح للسر ذيوعاً , وللقمر ضوءاً , وللعطر فوحاً .وتنبه الدارسون إلى بعض الأوزان في تقاسم دلالتها فوجدوا في صيغة فُعال : الدوار , والسعال والزكام إشارة إلى المرض مثلما وجدوا في / أشار , أدار , أثار / معنى للحركة .
إنّ هذه الطواعية في ماهية اللغة إنما حقق في دلالة معطاها , اللغة الأم أن تكون قوية بذاتها أنساقاً , وقوية بالناطقين بها استخداماً وظيفياً يؤمن لهم جوانب الحياة بشمولية تفاعليتها واقعاً معيشاً .
وقد استطاعت اللغة العربية بما مكنته للدارسين من سمات وميزات في صيغها و أنماطها و أنساقها ومثالية تواصلها وبُعدها المجازي أن توفر التقميش المناسب لاتساع السيولة الذهنية بأرقى صورها عبر التحليق الإبداعي شعراً ونثراً فكانت الخرائد العصماء , والمقطعات النثرية  فالخرائد العصماء حيث المعلقات ما بين سبع وعشر , وكان أن اتسم شعراء بسمات جامعة لظواهر أخذت لذاتها سمتاً في مسمى فترانا نقرأ عنوانات من مثل : / حوليات زهير و اعتذاريات النابغة وحماسيات عنترة و أحاجي الحطيئة وهاشميات الكميت ونقائض جرير وخمريات النواسي وتشبيهات ابن المعتز وزهديات أبي العتاهية ومراسي أبي تمام وملائح البحتري وروضة الصنوبري ولطائف كشاجم و الأرتقيات لصفي الدين الحلي / إنّ هذا التصنيف يوحي بخصوصية الميزات , هذه الميزات التي نراها حاضرة في قصائد منفردة في قديم الشعر وفي حديثه حيث الجواهري وشوقي والبدوي وأبو ريشة ونازك الملائكة والقباني شاعر الياسمين وغيرهم « فخالقة « لبدوي الجبل « و دمشق جبهة المجد « للجواهري والقصيدة الشامية لسميح القاسم والأطلال لـ د. إبراهيم ناجي و ألا في سبيل المجد لأبي العلاء المعري …. إنّ عبقرية اللغة العربية كامنة في ذاتها , وفي العارفين بعبقريات إبداعاتها وعياً ثقافياً جمالياً إبداعياً , أولئك الذين هم حاضرون عبر كل زمان ومكان يفهمون تجددها بولادات عبقرياتهم إدراكاً لقيمتها ومكانتها واتساعاً لدلالة : الإبداع يولد إبداعاً  وهذا هو الأمر في النثر كما هو الحال في البلاغة لبلغاء وخطباء وعظماء رصّعوا العربية بعبقريات بلاغتهم دقة في إيجاز , وبلاغة في وجازة فاتسع لهم التاريخ وشماً مطرزاً على جبين كل عبقرية . وليمتد النثر عصوراً وسطوراً في أعمال الجاحظ والتوحيدي و ابن جبير وابن حزم وغيرهم ليكون هذا الإبداع وعياً في مسميات أجناس أدبية : خاطرة ومقالة وقصة ورواية وعملاً مسرحياً لأعلام و أعلام , مسميات عنواناتها تدل على مركزية أولئك , ولا سيما منذ عصر النهضة حتى الآن والحق أنّ ثمة أعلاماً في الفكر والثقافة وطّنوا أنفسهم علامات فارقة في صنوف الإبداع المعرفي على صفيح مصقول من متانة التعبير وقوة النسج وبراعة التفنيد من خلال ثنائية : لغة مبدعة تتسع بأبنيتها و أنساقها و اشتقاقاتها وسعة أساليبها و أنماطها وغنى مفرداتها ونبالة المبدعين بها من جانب آخر شعراً و نثراً في الأجناس الأدبية و الفنون علوماً ودراسات وفكراً فلسفياً إنّ هذه اللغة التي تحمل تراث الآباء و الأجداد هي وعي جمعي وذاتي وهي منطق وجودي و تجذر بنيوي في دلالة الحضور والبناء الحضاريين تمثلاً لكل وعي في كل جانب من جوانب الحياة إنّها اللغة التي فيها إحساسنا بعالمنا الداخلي والذاتي والموضوعي والحاضرة في سلوكنا والمزهوة بإبداعاتنا والرائدة بكينونتنا أمة تحثّ الخطا في دروب الأمجاد قيماً و علماً و ثقافة وتواصل حضور نوعي يحاكي عصراً لحتمية التكنولوجيا والتدفق المعرفي في آن معاً ، هذه اللغة التي هي زادنا والحاملة لوعينا ومشاعرنا ووجودنا معنيون بالتمكين لها مؤسسات تتابع , ومعنيون بها أنشطة نبدع فيها , و أنساقاً نتعلّمها , ليس حفظاً لقواعدها و أنساقها و أساليبها , بل عمقاً وظيفياً , و استخداماً سلوكياً يوافق جماليات عبقرياتها براعة في حفظ موروثها الأصيل المنفتح , ونبوغاً في إدراك كل جزئية فيها تعليلاً ليستحيل إلى خبرة فمهارة , وتذوقاً لجمالياتها تعزيزاً لنباهة استيعاب لفطن لمّاحة في ثنايا كل جميل إنّ التعريب والترجمة و الإعلام وكل المؤسسات ولا سيما التعليمية وكل واحد منّا معني وفق ثقافة المبادرة أن يسهم بما يفيض من شذرات كل جهد كي يتراءى الضياء منارة عبقرية للغة .
هي لغة الضاد , ونضارة إبداع هي لأبنائها الذين عيونهم صوب محارها لآلئ في كل إبداع يعني البناء والعطاء والخير ما بقيت الحياة لغة من البيت إلى حيث محطات الحياة وعياً اجتماعياً وثقافياً يتوافق و الإبداع فيها معرفة بماهيتها و استخداماً وظيفياً لها , بذلك تحيا اللغة . فاللغة سلوك .
نزار بدّور

المزيد...
آخر الأخبار
العريضة بريف حمص الغربي الأغزر مطرا . في احتفالية أيام الثقافة السورية .. محاضرة في  ثقافي حمص بعنوان : "الوطن في  الأدب العربي قديمه وحدي... في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة