كتاب من حمص…مرايا النهر .. عشرون قصة …!!

في « مرايا النهر « نقرأ عشرين قصة قصيرة للأديب عبد الغني ملوك ما يجمع بينها : السرد الفني الجميل ، واللغة الشفافة المدهشة ووصف الشخصيات بأسلوب يحاكي الواقع الذي نعيشه .
إنها قصص تعبيرية ، واقعية ، تستمد مادتها من الحياة الاجتماعية للناس ، تحمل نشوة الماضي ، ودهشة الحاضر وتذكرنا بالقيم والسلوكيات التراثية التي ربما أغفلها بعضنا أو أكثرنا .
والسرد ، هو العمود الفقري للفن القصصي والروائي . وتقنيات السرد متنوعة . ففي هذه القصص مقدمات تعريفية تمهد للأحداث . وهي قصص تجري أحداثها في حمص أي أنها تحمل عبير التاريخ والتراث والأصالة .
فالبيئة الشعبية الحمصية ، من نوادر وقصص لها أبطالها من الناس العاديين ، ولكن المتميزين . نقرأ من قصة ( عنايات العطاس ) / عنايات ابنة جارتنا تفيدة … كنا نسكن حيّ الزاوية بحمص … بيوت عربية مسوّرة بجدران عالية ، منفتحة من الداخل على صحن الدار … كانت عنايات تكبرني خمس سنوات أو أكثر/.
وتبدأ قصة / عادل العطاس / كما يلي :
/ هو أخو عنايات يحب الصيد وعنده بندقية …/.
مثل هذه ( الافتتاحيات ) تمهد للحدث ، وتثير القارئ لمعرفة المزيد عن الشخصية في سرد عفوي ، ما يجذب القارئ ويجعله يتساءل ( وماذا بعد ؟) ويدفعه هذا لمتابعة ما يجري من أحداث مثل :
( عنايات وحيدة لم تتزوج )
( عادل ينتحر ببندقية صيد )
( رغدان يترك الطب ويهرب مع عشيقته زوجة جاره سعيد )
فالقاص يروي قصصاً بصيغة المتكلم عن أبناء حارته أو ينقل عن لسان أحد ما ، مثلما نقرأ في مقدمة قصة / هزيم البيوري /:
( كان هزيم البيوري بليداً ، محدود الذكاء ، شكا منه مدرسوه في كافة المراحل …) ص 228 . فالراوي هنا شاهد عيان ، أو ناقل للحدث عن مصدر موثوق ، وهذا يعطي المسرود القصصي مصداقيةً وحرارة وواقعية مؤثرة في ذهن القارئ . فالدلالات التي استدعاها مسرود القصّ مثيرة لانتباه القارىء مما يجعله يتابع الحدث المتصاعد ليصل إلى النهاية. لنأخذ قصة / أبو أحمد الزبّال / ص 35/ يعرّف عن نفسه مفتتحاً القصة بالقول : ( أنا موظف في البلدية .. ألتمس منك العمل على فرزي إلى مكان آخر … نال إعجاب رؤسائه … أهلاً بالزعيم أبي أحمد …
إن عنصر التضاد والمفارقة . يعطي للسرد القصصي جاذبية وتشويقاً ، والمفارقة تعني / التضاد / بين حدثين أو فكرتين أو شخصيتين ، وينتج عن هذا التضاد فعلاً أو فكرة غير متوقعة أو متوقعة بنسبة ضئيلة . لنأخذعلى سبيل المثال قصة / محمد علي فلة / ص 57.
تبدأ القصة كما يلي :
( هو ابن خالة عنايات ، وزميل دراسة ، وصديق مخلص فيما بعد ) وهو ( متفوق ويريد دراسة الرياضيات والفيزياء والكيمياء في جامعة دمشق ، أما الماجستير والدكتوراه ففي أمريكا …) . وعندما يعود حاملاً الدكتوراه بالطاقة النووية من أمريكا لا يجد له عملاً ويعرض شهادته ومشروعه لإحداث ( مركز دراسات وأبحاث علمية) على عدد من المسؤولين .. ولكن دون جدوى .. فيعين في وزارة الزراعة …!!).
المقدمة هنا لا توصل إلى النتيجة المناسبة . وهذا التضاد بين ( الموجب : التفوق ) والسالب ( الإهمال واللامبالاة من قبل المسؤولين ) يشكل مفارقة مدهشة .
لقد نجح الأديب عبد الغني ملوك في التعبير عن المضمون الاجتماعي الذي ينبع من الواقع الاقتصادي ، وخاصة في تشريحه للواقع الاجتماعي ، بأناسه الأثرياء والفقراء على حد سواء . وذلك في قالب سردي فيه انسجام للشكل مع المضمون في جمالية لغوية وقصصية تولّد شعوراً بالمتعة والمشاركة من قبل القارئ ، فالأحداث لا تنمو وتتراكم لتحقق موضوعاً واحداً ، وإنما ترتصف واحداً إلى جانب الآخر لتكوّن مرآة تعرض حياة المجتمع . ومن هنا يكون العنوان / مرآة النهر /.
يبعث الأديب ملوك فينا روح التراث مليئاً بالإيحاءات والصور ، بصيغة سردية متقنة ، تنقل صورة العالم بأكمله المكان والأشخاص والأشياء ، حيث الأحداث العاطفية والاجتماعية ، تستحق أن تخلّدها القصص .
وهنا تكمن براعة الأديب في اختيار الأحداث والشخصيات والأمكنة .
/ مرايا النهر / قصص ، عبد الغني ملوك
عيسى إسماعيل

المزيد...
آخر الأخبار