يعد التناص من أكثر المصطلحات إشكالية لأنه عرف كثيرا وفي تعاريفه حمل معاني مختلفة حتى غدا مفهوما غامضا في الخطاب الأدبي، وإذا أردت أن أبسط هذا المصطلح أقول : التناص هو حضور نص في نص آخر ، أو حضور أكثر من نص في نصوص أخرى . فإذا كان لكل نص خصوصيته فإنه يتبع في الوقت نفسه سلالة من النصوص تظهر فيه بشكل او بآخر ، وكأن هذه السلالة شجرة لها جذورها الضاربة في تربة الزمن والبشر وجذعها الضخم وتفرعاتها الكثيرة .
وقبل أن أذكر بعض أنواع التناص سأذكر سبباً عميقاً وغنياً للتناص لم ينتبه إليه الكثيرون ممن دقوا أبواب التناص ، وهذا السبب هو الأنماط الأولية أو البدئية الراسخة في الذاكرة الجمعية للبشر ، والتي تحدث عنها بالتفصيل عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ في نظريته عن علم النفس الجمعي ، فهذه الأنماط الأولية حاضرة في كل عمل أدبي بشكل او بآخر ومنها على سبيل المثال لا الحصر : نمط الخلق ، نمط الطوفان ، نمط التنين ، نمط الإله الغائب .
ولو أخذنا نمط تصور الإنسان للكون بطبقاته الثلاث : الطبقة العلوية السماوية ، والطبقة الأرضية ، والطبقة السفلى – هاديس أو الجحيم
هل هناك عمل أدبي يخرج عنها أو يضيف إليها من ملحمة جلجامش السومرية إلى المثيولوجيا اليونانية فالمثيولوجيا المصرية والسورية ، إلى الكوميديا الإلهية لدانتي إلى شيطان –فاوست –لغوته ، وحتى آخر رواية صدرت أو ستصدر ؟!
وأعود إلى مصطلح التناص فأذكر أن أول من استخدمته هي : جوليا كريستوفا وذلك من خلال مقالتين منشورتين في مجلة –تيل كيل –الأولى عام ستة وستين وتسعمئة وألف والثانية بعد عام من الأولى . وقد استعارت جوليا فكرة التناص من ميخائيل باختين – الذي قال : «تقيم الكلمة في كل نص حواراً مع نصوص أخرى –ولكن باختين لم يستخدم مصطلح التناص
في كتابيه : جماليات الرواية ونظريتها – نظرية الشعر عند دوستوفسكي ومن أنواع التناص : الاقتباس ، وأوضحه باقتباس الشاعر نزار قباني قصة النبي يوسف ووالده يعقوب في رثائه ولده – توفيق – :
« سأخبركم عنه..
كان كيوسف حسناً وكنت أخاف عليه من الذئب
كنت أخاف على شعره الذهبي الطويل
وأمس أتوا يحملون قميص حبيبي
وقد صبغته دماء الأصيل»
ومن أنواعه : التلميح ، ومنه ماقدمه الأديب : جيمس جويس – في مؤلفه: – أو ليس وصورة الإنسان المعاصر – حين ذكر : هيلين الأجيرية ، مهرة طروادة التي لم تصنع من خشب كحصان طروادة ولكنها استضافت الكثير من الأبطال في أحضانها . فالكاتب يلمح أسطورياً وخيالياً إلى : هوميروس في – الإلياذة – أو إلى أي كاتب استعاد الملحمة الطروادية .
ومن أنواعه أيضاً: المرجعية أي الإحالة الى نص من خلال عنوان أو اسم المؤلف أو الشخصية من خلال موقف خاص . ومن ذلك قول كاتب هذه السطور في قصيدة – رسالة متأخرة إلى ديك الجن :
«مازال سيفك في خناق – الورد – مختلجاً
يلملم من نشر العطر أكمام الدم
مازال دمعك آية العجز الذكوري المؤرق
بارتشاف السحر من خمر الفم»
ومن أنواع التناص : المحاكاة والمعارضة والسرقة ، وإن كنت أميل إلى استبعاد السرقة الأدبية من التناص لأنها تبقى سرقة موصوفة يعاقب عليها القانون ، وفي حمأة الفوضى التي خلقها العدوان الكوني على سورية ماأكثر السارقين والسراق !! وما أضعف قانون المطبوعات في ملاحقتهم!!
غسان لافي طعمة
المزيد...