الشعراء زينة المجالس

يطول الحديث ويعذب عندما تكون مادته الشعر ودوره في بناء الذائقة الأدبية ,إذ يعتبر الشعر أهم الفنون الأدبية وأكثرها إمتاعا وذلك لما لموسيقا الشعر من أهمية كبرى في الوجدان العربي فقد كانت القبائل العربية تفاخر بشعرائها لأن الشعراء كانوا لسان قبائلهم ومن يذود عنها ويتحدث عن فضائلها فكانو المنبر الإعلامي لقبائلهم ومن هنا وجدت المناظرات الشعرية والقصائد التي يمجد فيها كل شاعر قبيلته ويعلي من شأن عاداتها الأصيلة كإقراء الضيف وإغاثة الملهوف وحفظ حق الجار وإعطاء السائل ما يريد وما عزز هذه المكانة هو إعلاء الإسلام من شأن الشعر فقد جاء في الحديث الشريف : إن من الشعر لحكمة .
وقد سئل ابن المقفع ذات يوم : لم لا تقول الشعر؟ فقال : الذي أرضاه لا يجيئني ، والذي يجيئني لا أرضاه . وكلام ابن المقفع دلالة على أهمية الشعر وما يمكن أن يكون عليه وهو الحامل لكل القضايا الاجتماعية وصورة عن الحياة العربية في ذلك الوقت ، والشعر يحمل رسالة يصوغها الشاعر بقوالب شعرية مناسبة ,وهذا ما يوضحه الخوارزمي بقوله : الشعراء أمراء الكلام ، يقصرون طويله ، ويطولون قصيره .. وكم كان يطرب الملوك والأمراء وسادة العرب لقول الشعر وقلما كان يخلو مجلس لهم من وجود شاعر أو إنشاد لآخر، يقول المأمون : الشعراء زينة المجالس وقد تطرق الشعراء إلى كافة مناحي الحياة التي عاشوها وتحدثوا عبر الشعر عن أدق التفاصيل التي شكلت مفردات حياتهم وهاهو حاتم الطائي يخاطب زوجته ماوية في رؤيته للحياة من خلال العادات التي ورثها وفي مقدمتها الكرم يقول :
أماوي إن المال غاد ورائح  
      ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي إني لا أقول لسائل  
       إذا جاء يوما حل في مالنا نزر
أما بشار بن برد فيشخص الهموم التي تبعد عنه النوم بقوله:
فكأن الهم شخص مسائل  
         كلما أبصره النوم نفر
هو تصوير في غاية الدقة والواقعية نقله إلينا الشاعر شعرا فكان غاية في الجمال.
ويصور لنا الأحوص مباغتة حبيبته له وأثر تلك اللحظة فيه يقول :
فما هو إلا أن أراها فجاءة    
     فأبهت حتى ما أكاد أجيب
 ويحكى أن الحجاج ظفر برجلين فقال لهما من أنتما ، فقال الأول :
أنا ابن الذي لا تنزل الدهر قدره   
    وإن نزلت يوما فسوف تعود
ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره   
  فمنهم قياما حولها وقعود
وقال الثاني :
أنا ابن من دانت الرقاب له      
    ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي حاضرة     
     يأخذ من مالها ومن دمها
فقال الحجاج لمن معه اخلوا سبيلهما لأدبهما لا لحسبهما إذ كان الأول ابن صاحب مطعم والثاني ابن حجام . وإذا ما تقدمنا مع الأجيال الشعرية نرى الأديبة مي زيادة تتحدث عن الشعر فتقول: الشعر عاطفة ذائبة ، أو فكرة متوقدة ، أو خاطرة عميقة ، سكبت في قالب موزون الكلام والنغمة.وبعد هذه الشواهد التي استقيتها لكم من الشعر ألا يحق لنا الجزم بأن الشعر سيبقى ديوان العرب مهما تعددت القوالب الفنية التي يستخدمها الإنسان للتعبير عما يعتمل في روحه من آمال وآلام .
سلوى العيسى

المزيد...
آخر الأخبار