في لحظات التاريخ الفاصلة، تتدافع الأصوات لتنسب الانتصارات إلى نفسها، فتتشوه المعاني وتُسرق التضحيات.
اليوم ونحن نواجه محاولات متعددة لتزوير ملحمة الشعب السوري ونسب انتصاره إلى جهات خارجية، من تركيا إلى أمريكا إلى إسرائيل، يبرز دور الحقيقة كسلاح أخير لمواجهة التزييف والنسيان.
لا يمكن فهم معنى الانتصار دون العودة إلى بداية المشوار، في الأيام الأولى للثورة السورية، حين انطلقت الشرارة عفويةً من حناجر أبناء درعا ودمشق وحمص وغيرها، لم تكن هناك دول عظمى أو جيوش جرارة إلى جانب الشعب، بل وقفت غالبية دول العالم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إما في صف النظام الطاغي أو على الحياد الذي يخدم بقاءه.
حتى تلك الدول التي ترفع اليوم شعارات الحرية، كانت في بداية المعركة إما معادية لفكرة التغيير أو محايدة، خائفة من تداعيات سقوط النظام.
الطريق إلى الحرية لم يكن مفروشاً بالورود، بل بالدماء والدمار، كل خطوة على هذا الدرب الطويل كانت تروى بدماء السوريين الأبطال.
هم من خرجوا في الميادين سلمياً وهم من دفعوا الثمن غالياً، هم من حملوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم وعن كرامتهم حين سُدت كل السبل السلمية، هم من صمدوا في الخنادق، وهم من بنوا المؤسسات في المناطق المحررة، وهم من قدموا التضحيات الجسام في سبيل كلمة واحدة هي “الحرية”.
إن انتصار الشعب السوري، بعد كل هذه السنوات من القتال والمعاناة، هو نصر سوري خالص، إنه ثمرة جهد ذاتي، وصمود أسطوري، وتضحيات لا تُحصى قدّمها السوريون بأنفسهم ولأنفسهم، إن نسب هذا الانتصار إلى أي جهة خارجية هو إهانة للشهداء، وتقويض لقيمة التضحيات، وطعن في ظهر الثورة وأهلها، إنه محاولة لسلخ الثورة عن هويتها الوطنية وطابعها الشعبي.
إن تذكر الحقائق كما حدثت، والتمسك بالرواية الصحيحة للأحداث، هو حفاظ على كرامة الشهداء وعدالة القضية، فالتاريخ شاهد على أن هذه الملحمة كتبتها الإرادة الشعبية والتضحيات السورية الخالصة، دون منّ أو وصاية من أحد، هذه الحقيقة تفرض نفسها بقوة الواقع، وتشكل ضمير الأمة وذاكرتها الجمعية.
لقد انتصر الشعب السوري بإرادته الحرة، وبتضحياته الجسام، وبصموده الأسطوري، هذا الإرث العظيم هو ملك للسوريين وحدهم، وهو شعلة ستنير الطريق للأجيال القادمة.
فالحق يقال: كان الانتصار سورياً، وسيظل سورياً.