القاص صفوان حنوف: أنا الناقد الأول لأعمالي، لغتي الشعرية لجذب القارئ وقصصي تظل تومض في رأسي حتى ألون بها بياض الورق

يعد القاص صفوان حنوف من جيل الذهب العتيق مقل في طباعة المجموعات القصصية لكنه يعتقها في خوابي روحه , فكل نص يقرر إرساله للمطبعة يكون القاص حنوف قد أعمل فيه أدواته النقدية فهو يعتبر الكتابة رحلة شائكة وشائقة تبدأ بفكرة تومض في خيال الكاتب وتقضّ مضجع روحه حتى يرسمها بالكلمات على الورق , التقينا القاص صفوان حنوف وعدنا لكم بالحوار التالي :
س : لو تحدثنا في بداية هذا اللقاء عن تجربتك الأدبية :
ج : أنا من كتاب القصة القصيرة ، كنت ومازلت، تعود تجربتي الأدبية إلى مطلع الثمانينات من القرن الماضي حيث كتبت أول قصة قصيرة في حياتي عام 1982 وكانت بعنوان: الحقيقة والشمس، في عام 1983 شاركت بها في المسابقة الأدبية التي أعلن عنها المكتب الفرعي لاتحاد الكتاب العرب في حمص ولم تفز بإحدى جوائزها،وكنت أتوقع ذلك، لكنني فوجئت بعد أيام قليلة بأنها وقصيدتين صغيرتين _ نشروا في صفحة كاملة من هذه الجريدة ( العروبة) ،وكتبوا إلى جانبها كلاماً ً أعجبني وشجعني كثيرا ً، قالوا: هذه النصوص الثلاثة شاركت في مسابقة فرع حمص لاتحا د الكتاب العرب ولم تفز بإحدى جوائز المسابقة لأنها لم ترق إلى مستوى النصوص الفائزة،ولكنها –وهذا ماشجعني على الاستمرار في كتابتها – تبشر بموهبة نأمل أن تنمو سليمة ومعافاة، ومن حسن حظي أنني تعرفت بعد أيام قليلة على الناقد الدكتور سمر روحي الفيصل وطلبت منه رأيا بها على أنه رئيس للجنة التحكيم، فقال لي : لو أخذنا مقصا ً وقصصنا القصة من منتصفها .. لخرجنا من ذلك بقصتين، الأولى اجتماعية .. بدأت ولم تنته،والثانية وطنية…. انتهت بدون أن تبدأ،وطلب مني أن أعيد كتابتها .
توقفت عن الكتابة،ورحت أقرأ في القصة القصيرة لمختلف الكتاب، من محليين وعرب وأجانب، حتى توضحت لي معالم هذا الفن الجميل، فأعدت كتابة القصة السابقة-الحقيقة والشمس- وخرجت منها بقصتين جميلتين، الأولى اجتماعية بعنوان :المرحوم ،وقد فازت بالمرتبة الثانية في مسابقة فرع اتحاد الكتاب العرب فرع حمص عام 1996 ، والثانية وطنية بعنوان : السكين، وقد فازت بالمرتبة الأولى على سورية في المسابقة الأدبية التي أعلنت عنها دار البعث عام 1997 .
وتابعت كتابة القصة القصيرة وأنا أشعر أنني امتلكت معظم أدوات هذا اللون من الأدب، حتى صار عندي مجموعة قصصية بعنوان :
زمن الحرائق- تقدمت بها إلى دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وقد فازت بالمرتبة الأولى على مستوى الوطن العربي في هذا المجال ، في عام 2004 طبعت مجموعتي القصصية الثانية وهي بعنوان : البيدق، وفي العام نفسه صدر لي كتاب في بيروت بعنوان: الاسم الرباني وأثره في السلوك الإنساني .
وفي عام 2014 صدر لي عن دار الإرشاد الحمصية في القاهرة كتاب بعنوان : معجم مكرمات الأنبياء والرسل ومعجزاتهم في القرآن الكريم، في عام 2011 تقاعدت من الوظيفة التي كنت أعمل بها ، ومن يومها اتجهت اتجاها ً آخر في الكتابة، إذ قمت بتأليف /6/ كتب مصدرها القرآن الكريم غير المعجم الشامل لموضوعاته، إلى جانب القصة القصيرة
س : ماذا تعني القصة القصيرة لديك؟
ج : عندي رسالة أوجهها إلى شريحة من المجتمع، كالعمال أو الفلاحين، أوفئة الشباب ، وربما إلى المجتمع كله، أو إلى المجتمع العالمي، أقدم فيها رأيا لحل مشكلة ما .
س : هل لديك قالب محدد في كتابة القصص أم الأمر مرهون بالفكرة التي تشغل بالك وبالمقولة التي تريد أن توصلها للمتلقي؟
ج : لا .. لا ، ليس لدي قالب محدد في كتابة القصص ،والأمر مرهون بما تفضلت به، وأضيف على ذلك أن أسلوبي متشابه في كل ما كتبت من حيث البحث عن الصور الجميلة ومن حيث التأثير في المتلقي ، ومن حيث الاختزال والتكثيف وغير ذلك .
س : يقول الكثير من الكتاب : أنا الناقد الأول لأعمالي، هل تكتب النقد؟ هل تقوم بدور الناقد على نتاجاتك؟
ج : هذا صحيح فقط أثناء كتابة العمل، حين يغير الكاتب نصه ويستبدل عبارة بأخرى أو موقفا ً بآخر أو شخصية بأخرى، هنا يكون الكاتب أول ناقد لعمله وهذا ماكنت أفعله.
ولكن بعد إتمام العمل … وقبل نشره.. فيجب الرجوع إلى الناقد المختص لأنه قد يرى العمل من زاوية لم يرها الكاتب.
س : ماسر اللغة الشعرية في قصصك؟ مثال: ترعف عيناي حزني، يجهش بالخيبة.
ج : هذا ماتعلمته في كتابة القصة القصيرة، أن لايطغى الموضوع على الشكل ، فأبحث عن صور أو عبارات أتوقع أن تجذب القارىء لئلا أقع في كتابة القصة القصيرة بأسلوب السرد المباشر .
س : مارأيك بالنهايات المفتوحة لكثير من القصص «؟ يبدو أنها باتت موضة ، هل هي رغبة الكاتب في إشراك المتلقي في وضع نهايات للقصص ؟
ج : حين أضع نهاية محددة لموضوع ما ، أو حين أكتب موضوعا ً يحتمل أكثر من حل للمشكلة التي وضعتها ، ففي الحالتين أترك للقارىء أن يتبنى رأيي إذا أحبه ، أو أن يتخيل حلا ً لهذه المشكلة .
س : في مجموعتيك القصصيتين اللتين بين يدي، هناك بعد عن السياسة ، مارأيك بالأدب السياسي؟
ج : الأدب بكل فنونه مرتبط بالحياة برمتها ، السياسة وغيرها ،وله علاقة وطيدة بالموقف السياسي.
س-ما رأيك بمن يدخل العامية في الكتابة بحجة القرب من القاعدة العريضة للجمهور؟
ج-كتابة القليل من العبارات في الرواية أو القصة القصيرة بلهجة عامية تضفي على النص جمالاً لأنه يقترب من القاعدة العريضة للجمهور خاصة حين يكون على لسان الأطفال أو كبار السن.
س:الكتابة خلق في لحظة فائقة التجلي ،هل هكذا تخلق القصص على يدي صفوان حنوف؟
ج-هذا صحيح في الغالب ،القصة القصيرة عندي هي فكرة تومض في رأسي وربما لا تكون واضحة المعالم تقريباً حينها ،ولكنها تتضح شيئاً فشيئاً من حيث الأفكار الجزئية والشخصيات فأقوم بكتابتها ،وقد يستغرق ذلك حوالي خمس مرات حتى تتضح الرؤية ،ثم أغير وأبدل فيها حتى تستقر فأكتبها بشكلها النهائي ،ثم أسرع بها إلا الناقد المختص .
س- هل جربت الكتابة للأطفال ؟
ج- نعم جربت ،ولكنني لم أقتنع تماماً بما كتبت ،الكتابة للأطفال مسألة مهمة وخطيرة في آن معاً ،الكتابة للأطفال توجب النزول إلى مستوى معرفتهم بالأمور وثقافتهم بها ،الأمر الذي لم أستطع .
س-لماذا لم تفكر بالكتابة التلفزيونية ،خاصة وأن الكثير من كتاب السيناريو هم روائيون وقاصون ؟
ج-إن كل قصة كتبتها تصلح لأن تكون فيلماً تلفزيونياً قصيراً بعد وضع السيناريو اللازم لها ،وهذا ما لم أسع إليه ،فاكتفيت بالنشر في الصحف والمجلات ،والقراءة على المنابر.
س-الكثير من كتاب القصص ينحون نحو الرواية ،هل جربت ذلك ؟
ج- في بالي موضوعان لروايتين لم أكتبهما بعد بسبب ضيق الوقت ،أرجو أن أجده في المستقبل .
س- يقال إن هناك تداخلاً بين الفنون الكتابية ،هل أنت مع هذا الرأي ؟
ج: نعم …من حيث الأهداف من الكتابة ،ومنها :الارتقاء بالإنسان من مستواه إلى مستوى أعلى .
س: لم تطبع أي كتاب في اتحاد الكتاب العرب أو في وزارة الثقافة .لماذا وأنت عضو في الاتحاد ؟هل ترى ذلك ظلماً لحق بك ؟
ج: لا ..أبداً ، لم أظلم،ولما تقدمت بمجموعتي القصصية –زمن الحرائق –إلى مسابقة الشارقة لم أكن أتوقع أي فوز وكنت قد تقدمت بها في الوقت نفسه إلى اتحاد الكتاب العرب لطباعتها .
ولما صدرت نتائج المسابقة وفزت بالمركز الأول ،سارعت إلى تقديم كتاب إلى الدكتور علي عقلة عرسان رئيس الاتحاد آنذاك ،شرحت فيه ما جرى ،ورجوت بعدم طباعتها فيه وتمت الموافقة على ذلك ،ولقد تعرضت حينها إلى أكثر من عتاب من الأصدقاء ،واليوم أنتظر الموافقة على طباعة مجموعتي القصصية بعنوان :رجل يخاف النوم .
س-ظهر مصطلح نقدي جديد عنوانه :أدب الحروب ،ما ذا كتبت خلال هذه الحرب ؟
ج-كتبت قصة عن شلة غير جادة من الأصدقاء المثقفين الذين يمضون أوقاتهم في التندر والتسلية .
س: يضطر الأديب للدخول في «شلل»أدبية الهدف منها في كثير من الأحيان توفير التكاليف ، فإما أن ينتمي الكاتب «لشلة» أو أن يكون منسياً مهملاً ،ما رأيك؟
هذا غير صحيح أبدً مهما كان الهدف من « الشليلة» إذا انتمى الأديب إلى أدبه المجيد الهادف والمؤثر ويعطيه مكانة أدبية ما ..فهذا لايجعله منسياً ولامهملاً
س: هل يصح عربياً تطبيق المعايير النقدية الأوروبية على النتاجات العربية ؟
ج: أظن أن الأدب العالمي يقوم على خطوط مشتركة بين الجميع وفي هذا يصح تطبيق المعايير النقدية الأوروبية على النتاجات العربية ، والعكس صحيح .
س:بمن تأثرت من الكتاب ؟
ج: بكل من قرأت له من القصص من محليين وعرب وأجانب ، وحذوت حذو من كانت كتابته جميلة وهادفة ومؤثرة ، وابتعدت في كتابتي عمن كان أسلوبه ركيكاً وقصصه ضعيفة
س:بعض الجوائز الأدبيةرمادية ..قل لي : من يمولك ؟ أقل لك من أنت ، مارأيك ؟
ج: قد ينطبق هذا على المسابقات الأدبية الرخيصة ، خاصة المسابقات التي تجريها مجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي وغيره من الصحف الغير رسمية. تجربتي أثبتت لي عكس ذلك تماماً .
س: علاقتك بالنقاد ؟ علاقتك بالصحافة ؟
ج: علاقتي بالنقاد جيدة، وعندما أشعر أنني انتهيت من كتابة نص ما ، فإنني أسعى الى الناقد المختص بما كتبت ، فهو قد يرى النص من زاوية لم أنتبه إليها فينبهني فأقومه . أما عن علاقتي بالصحافة فانا مقل في نشر ما أكتب ، وأكتفي بقراءة قصصي على منابر المؤسسات الثقافية .
س:يقال إننا في عصر الرواية ،ولكن مواقع التواصل غيّرت هذا الرأي ،ما رأيك في هذا الكلام؟
ج:الرواية تسير ببطء ،والروائيون الحقيقيون باتوا قلّة، وفعلاً..إن مواقع التواصل الاجتماعي –في رأيي قد غيّرت هذا الرأي لأن شريحة واسعة من أفراد المجتمع انصرفت نحو التسلية والفكاهة وغيرهما،وهذا ماتوفره هذه المواقع.
س:لم يخرج الأدباء من معطف غوغول ،والآن لم يخرج الكتاب من شبكة غوغل ،ما تعليقك على غوغل وغوغول؟
ج:شبكة غوغل فيها أخطاء وأحياناً فادحة ، وأنا أدخلها أحياناً قليلة لأتصفح ما فيها ،ولا آخذ بشيء منها أما غوغول فأنا قليل الإطلاع على كتاباته، أما السرقة فموجودة مع كل الأسف من غوغل وغوغول!
س:لديك كتاب بعنوان :المعجم الشامل لموضوعات القرآن الكريم ، حدثنا عن هذا المعجم.
ج:باختصار شديد ..هو معجم تناولت فيه كافة موضوعات القرآن الكريم (بطريقتي)،وانتهى إلى 3659 صفحة من القطع الكبير ،تناولت فيها 253 موضوعاً وضعتها في خمسة أجزاء متساوية تقريباً من حيث عدد الصفحات البالغ لكل منها 750 صفحة ،وهو جاهز الكترونياً وفي أتم الجاهزية ، وأنتظر من يقوم بطبعه وإصداره.
س:يقال إن وسائل التواصل الاجتماعي طغت على كل شيء ، ما هو رأيك؟خاصة وأن هناك من يقول أن يموت الكتاب الورقي لصالح الكتاب الإلكتروني ومبيعات الكتب خير دليل .
ج:مع أن وسائل التواصل الاجتماعي طغت على كل شيء كما تقولين،فإن الكتاب الورقي لن يموت ،وهو من أسس الثقافة والمعرفة،قد نلاحظ انحساراً في إصدار الكتب الورقية بسبب ما عشناه من هذه الحرب الظالمة التي من المؤكد أنها أدت إلى ذلك.؟
س:كيف تقيّم الحركة القصصية في حمص؟
ج:يقولون إن حمص وريثة الشعراء وهذا صحيح،فالشعراء فيها كثر،أما القاصون فهم قلة مهما كان عددهم،ومع ذلك فالقصة القصيرة في حمص بخير ورغم ذلك دائما تسمعين أو تقرأين الجديد لهم .
س:ماهي مشاريعك المستقبلية؟
ج: أكاد أن أنتهي من كتاب أقوم بتأليفه منذ حوالي سنتين،
عنوانه:المدينة الفاضلة في القرآن الكريم ،وهذه المدينة لم تكن موجودة من قبل ،وليست موجودة الآن،ولن تكون في المستقبل،مادام هناك قاطع طريق،وقاطع رحم،وكاذب ،وزان،ومعتد،أثيم،و… ولكنها يمكن أن تكون بكلمتين فقط، هما:العمل بما أمر الله،والنهي عما نهى عنه.
س:هل من نصيحة للأدباء الشباب؟
ج:ألاحظ أن معظم الأدباء الشباب يستعجلون بالنشر،أرى أن يتريثوا قليلاً ،لبعض الوقت ، وأن يتذكروا أن هناك دائماً… الأجمل .
أجرت اللقاء : ميمونة العلي

المزيد...
آخر الأخبار