مشكلة الكثافة في الإنتاج والسوء في التوزيع تتكرس فوضاها في تنسيق وتوزيع الجرذان البيضاء على الخطوط داخل مدينة حمص …هذه الجرذان « السرافيس » والتي كان استقدامها ترقية لإنسانيتنا وقفزة تطورية باتجاه الأحسن باعتبار أنها تنقلك أنت الراكب من الوقوف والتدافش والنكز واللكز إلى الجلوس بكامل إنسانيتك في مقعد يحفظك إن كنت من القياسات الصغيرة أو المتوسطة « نوعاً ما » والتي تأخذ حيزاً بسيطاً من السنتميترات .. أما ذوو الأحجام الكبيرة فلا يعلمون إلى أي جنب يميلون نظراً لضيق المقعد وإلى سياسة الحشر التي لا تستطيع أية معادلة رياضية فكفكتها وخلق حالة نسبة وتناسب بين المقاعد وعدد الركاب الذين يحشرون في الواجهة الأمامية (خلف السائق ) وتتلاقى أرجلهم مع الجالسين في مقاعد الصف الأول وكذلك التناظر والتشابك بين مقعد طولي اختلق زوراً وبهتاناً على يمين السرفيس وتتداخل أرجل الراكبين عليه مع الجالسين في المقاعد الموازية له وتلك التقنيات هي اجتهاد شخصي منفعي سار عليه منوال معظم مستثمري الجرذان البيضاء التي تفاءلنا بها خيراً لكنها كانت محاولة فرح وتفاؤل بائس لم يدم طويلاً..
ونعود إلى عود ليس بأحمد وهو الكثافة في السرافيس والسوء في التوزيع على الخطوط ، فخط وادي الذهب وما ينحو مساره من الأهرام والطويل والخضري والأوراس وحي الورود وصولاً إلى النزهة وتفرعاتها فهؤلاء جميعاً لا يوجد سرفيس يقلهم إلى « التربية – كهرباء – سياحة – الخ «.. وموظفو تلك الدوائر تجدهم على مفترق طرق بعد خروجهم من وظائفهم معظمهم يقطع شوطاً مشياً على الأقدام إلى أمكنة قريبة من المركز الثقافي لاصطياد مقعد شاغر أو احتياط أو إسعاف (ثلاثة بواحد ) لا يهم ، المهم الوصول إلى مكان العمل صباحاً والمنزل ظهراً والخيار الوحيد هو ( الباص ) وما أدراك ما الباص ، هذه الآلة العجيبة التي يحمل مستثمروها بصيرة عالية وخلاقة في اتساع صدر مركبتهم للحشر وسد الفراغات وكل ما تيسر لهم حمله و حشره بين الجموع والفرصة مهيأة ومتاحة نظراً لوجود عشرات المنتظرين قهراً على الطرقات وتهافتهم للصعود إلى الباص هو وضع المستجير من الرمضاء بالنار ، ومكره أخاك لا بطل وهكذا هي حال معظم خطوطنا على الطرقات التي تحتاج إلى ضبط جرعة تتناسب فيها عدد المقاعد مع المساحة التي لا تحتمل الحشر والقهر تحت سقطة الطمع والجشع التي تفوق كل الوجع جراء الحشر في عز الظهر … نأمل من معنيينا نظرة أبعد تطالع نظرات المحشورين الواقفين على جمر الوصول ولو على ساق واحدة…
العروبة – حلم شدود