المتنبي حكيماً

لم يكن المتنبي حكيما بمعنى الكلمة لكنه استفاد من تجاربه في الحياة ومن خلال الذين عاشرهم من السياسيين واللغويين والأدباء فنبغ بشعره وذاع صيته حتى استحق مقولة ماليء الدنيا وشاغل الناس وكم هي الحكم التي مازالت ترددها الأجيال من شعره منذ العصر الذي عاش فيه حتى يومنا هذا فهو القائل ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) كما انه من قال ( على قدر أهل العزم تأتي العزائم ) وفي إشارة إلى أن كل شيء في هذه الحياة زائل يقول ( وكل الذي فوق التراب تراب ) كما يدعو إلى الذود عن الكرامة والشرف والتضحية من أجلهما فيقول :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى           حتى يراق على جانبه الدم
والحياة بنظر المتنبي تخذل الإنسان في كثير من الأحيان ولا تمنحه ما يسعى إليه ويتمناه فيقول :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه         تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وقد استخلص من تجاربه أن الناس مختلفة طباعهم وعلى الإنسان أن يعرف أين يضع معروفا يسديه
ويرى من خلال تجربته في الحياة أن ظهر حصانه هو أجمل مكان في الدنيا لأنه يحمله حيث يرغب وأن الكتاب هو أفضل نديم وجليس لأن الإنسان من خلال القراءة يغني معارفه يقول :
وأعز مكان في الدنى سرج سابح           وخير جليس في الأنام كتاب
ويرى المتنبي أن من يدرك الأشياء على حقيقتها ليس كمن يجهلها وفي ذلك يقول :
وذو العقل يشقى في النعيم بعقله       
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ومنذ ذلك الزمن الذي عاش فيه المتنبي يرى أن المال يحتل الصدارة في جعل الأشياء لها قيمة وحتى قيمة الإنسان في الحياة يثمنها المال فيقول :
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله           
 ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
وفي مكان آخر يقول أن المجاملات لا تجعل من الناس أصدقاء وخلان يقول :
خليلك أنت لا من قال خلي              وإن كثر التجمل والكلام
وحكمته في تقييم الناس لبعضهم من الشهرة بمكان حيث يقول :
وإذا أتتك مذمتي من ناقص       فهي الشهادة لي بأني كامل
ويؤكد في معرض شعره أن من تهون عليه الأشياء الصغيرة تهون عليه الأشياء الكبيرة يقول :
من يهن يسهل الهوان عليه       ما لجرح بميت إيلام
وعلى الإنسان برأي المتنبي أن يكون شجاعا لا يهاب الموت ولتكن ميتة العظماء يقول :
إذا لم يكن من الموت بد           فمن العار أن تموت جبانا
ومن الحكم التي تطال حياة الإنسان وسعيه إلى المعالي قوله :
إذا غامرت في شرف مروم       فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير        كطعم الموت في أمر عظيم
وفي الحب وما يعنيه يؤكد أن من لا يحب لا قيمة لحياته :
وعذلت أهل العشق حتى ذقته      فعجبت كيف يموت من لا يعشق
كما يقول أيضا :
وإذا كانت النفوس كبارا            تعبت في مرادها الأجسام
وعلى نفس المنوال في الشجاعة واقتحام المخاطر يقول :
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا               فأهون ما يمر به الوحول
وفي رأيه إن الإنسان من حيث يثبت لا من حيث ينبت وفي هذا اعتداد كبير في النفس يقول :
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي             وبنفسي فخرت لا بجدودي
وكم رددت الألسن قوله :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي     
  وأسمعت كلماتي من به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفني  
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ويقال أن البيت الثاني من الأبيات الأخيرة كان السبب في مقتله . وهناك الكثير الكثير من الحكم التي لا يتسع لها هذا المقال .
نعم لقد تفرد المتنبي في شاعريته التي استحق من  خلالها أن يكون ماليء الدنيا وشاغل الناس .
شلاش الضاهر

المزيد...
آخر الأخبار