ليس كل المعلمين الذين عملوا على تعليمنا في مراحل الدراسة المختلفة يحجزون لهم مكاناً في ذاكرتنا و ليس كل الطلبة يبقى أثر لهم في ذاكرة المعلم و وحدهم الطلبة المتميزون يبقون لزمن في ذاكرة المعلم وحدهم المعلمون الأكفاء يبقون في ذاكرة الطالب
لا أزال أذكر أيام المدرسة الابتدائية وبالتحديد عام 1964 و يوم دخلت المدرسة في الصف الأول الابتدائي و كلي خوف و حذر لأنني سأغيب عن المنزل و عن أمي وأشقائي الأصغر مني لعدة ساعات .!!
معلمنا في الصف الأول الابتدائي درويش درويش و كان يأتي من قرية مجاورة «الشرقلية » و كان رجلاً متزناً – حنوناً بدأ حديثه لنا بالترحيب والتوعية …. وهذا ما كسر حاجز الخوف في نفوسنا كان المعلم درويش من أسرة كادحة وكلنا مثله في المنطقة وكان يهتم كثيرا بموضوع « الثواب» و« العقاب» فالمجتهد يصفق له الصف كله والمقصر عليه أن يقف أمام الصف قليلاً ليشير إليه المعلم أنه مقصر ..!! دون أن تمتد العصا لتنال منه كما كان يفعل بعض المعلمين .!!
ولعلي أذكر أن مدرسة القرية « عرقايا» كانت مكونة من ثلاث غرف ،غرفتان للصفوف وغرفة للإدارة وبنيت من قبل أهل القرية عام 1950 .
في المرحلة الإعدادية وكانت أنشئت حديثاً في القرية أذكر مدرس اللغة العربية خالد الشريف وهو فلسطيني مقيم في مدينة حمص كما أذكر ماجد المجذوب وعبد الجواد الحصني و هما من حمص أيضاً والحصني شغل لسنوات عديدة منصب مدير الأوقاف بحمص فيما بعد و لن أنسى المرحوم مدرس اللغة العربية حسن أيوب من مخيم العائدين بحمص الذي كان له فضل كبير علينا فكان يدرسنا خارج أوقات الدوام مجاناً و هذه تضحية وعمل خير رحمه الله .في المرحلة الثانوية يقفز إلى الذاكرة مدرس اللغة العربية الفذ الذي بقيت على علاقة به حتى اليوم وهو من صفد في فلسطين ويقيم في حمص وله أثره في نفسي ويذكره طلابه بالخير والتقدير ،معاملته كمعاملة أب لهم وهو متمكن و قدير وعنده أسلوب جميل جداً في تدريس العربية وتشويق الطلبة للتمكن منها .. أمد الله عمره. ولا بد من أن أذكر ولست بالناسي الأستاذ فرحان بلبل الذي تركنا بعد شهرين من بدء العام الدراسي 1975-1976 ليتفرغ للمسرح العمالي وهو الكاتب المسرحي المعروف في سورية والوطن العربي لا أزال أراه في نشاطات اتحاد الكتاب العرب وهو من المدرسين الأكفاء و الذي يترك أثراً جميلاً في نفوس طلابه ومن يعرفونه ومن المديرين الذين تركوا أثراً في النفس الأستاذ خضر الناعم مدير ثانوية الفارابي ثم عضو قيادة فرع حزب البعث بحمص لسنوات عديدة كان يتحلى بالحكمة ويجيد الاستماع للطلبة الذين يراجعونه ويكون قراره لصالح الطالب والعملية التربوية ،أما المدرس إسبر باسيل فكان يلح علي عندما يستمع مع الطلبة إلى الموضوعات الأدبية التي كنت أكتبها ، أن أدرس في الجامعة اللغة العربية .. وكان مندهشاً عندما أخبرته أنني التحقت بقسم اللغة الانكليزية بناء على رغبتي ونصيحة مدرس اللغة الانكليزية الشهير المرحوم نجدت الحاج محمد ولعل الأمانة تقتضي القول إن هذا المدرس كان السبب الرئيس وراء دراستي للغة الانكليزية لما وجد من تفوق لدي بهذه المادة ولكنني كما أوضح لي فيما بعد رحمه الله خيبت أمله يقولها ضاحكاً لأنني لم أتفوق بدراستي الجامعية ولم أتمكن من إتمام دراستي العليا كما كان يتمنى .
ولعلي أتحدث عن أول امتحان عام – امتحان الشهادة الإعدادية عام 1973 – لي و كان مركز الامتحان محدثاً في بلدة القبو بدلاً من مدينة حمص وهو مركز للمدارس الإعدادية في المنطقة وكان مندوب مديرية التربية مدرساً طويل القامة أنيق المظهر لكن نظراته ثاقبة وكان يحضر للمركز من مدينة حمص بسيارته الخاصة وفي أثناء الامتحان لا يهدأ يتفقد القاعات وله شخصية قوية وهو الأستاذ عبد الحفيظ رجوب الذي كان في ذلك الوقت مديراً للثانوية الصناعية في حمص، مظهر الهيبة والحرص على النظام والدقة في الامتحان كان هدفه الأساسي وقد اكتشفت فيما بعد أن وراء هذه النظرات الثاقبة قلباً طيباً وإخلاصاً في العمل وحرصاً على المصلحة العامة وأناقة في التعامل مع الآخرين .. أمد الله عمره بالصحة و العافية
لكن المعلم الذي بكيت عندما سمعت خبر وفاته إثر حادث سير أليم هو المرحوم راغب الأخرس ، مدرس اللغة العربية في الثالث الثانوي في ثانوية الفارابي كان الرجل يحرص على متابعة كل طالب وبيان الأخطاء التي يرتكبها فيشعر كل طالب أنه وحده موضع اهتمام الأستاذ راغب رحمه الله و لعلي هنا أذكر مدرب التربية العسكرية المرحوم إبراهيم الفاخوري الذي أصبح فيما بعد قاضياً لأنه يحمل شهادة الحقوق … وكل من عرفه يشهد بأنه كان إنساناً طيباً ودوداً بكل معاني هذه الكلمات …
تمر الأيام .. و الشهور .. و السنوات تتغير الوجوه .. و يحضر بالبال قول أبي تمام :
و مضت تلك السنون و أهلها فكأنها و كأنهم أحلام
عيسى إسماعيل