الكتابة المختلفة لدى المرأة.. القاصة (كوليت الخوري) في مجموعة «امرأة»

عندما تكون المرأة قاصة فإنّها تقوم بدور البطولة في معظم القصص، لهذا تبرز هموم وشجون وانكسارات النساء في القص النسائي أغلبه. بل حتى الرجل عندما يكتب عن المرأة يتناولها غالبا ضمن الصورة التقليدية ذاتها. ومن (ثيمات) هذا النوع من القص أن تكون البطلة امرأة فقيرة، وقد تكون عاملة مكافحة، وغالبا تعاني من ظلم الرجل واضطهاده لها سواء كان أبا، أو أخا، أو حبيبا، أو زوجا.
ولكن الأمر مختلف برمته لدى الأديبة (كوليت الخوري) رغم أنها اطلقت على مجموعتها القصصية عنوان: (امرأة) لأن كل قصة من هذه المجموعة ترصد حياة امرأة بذاتها، وهؤلاء النسوة يتحدثن بضمير المتكلم، أو قد تنوب الكاتبة عنهن لتروي حكايتهن بضمير الغائب. ولكن هذا لا يعني أن هذه القصص تقليدية، أي تتمحور بمجملها حول شؤون المرأة في تفاصيل حياتها اليومية البسيطة؛ بل هذه المجموعة، اختلفت بسمات كثيرة عما اعتادت الأقلام النسائية الكتابة عنه، لاسيما شؤون المرأة الخاصة. ومن هذه الزاوية أتناول هذه المجموعة التي كانت المرأة محورها الأبرز.
المرأة.. والطموح
إذا كانت المرأة غالبا في القصة النسائية تعاني من كونها أنثى، وربما تحسد الرجل على ميزات مقصورة على الذكور؛ فإن بطلة قصة (الأمنية الصعبة) تعتز وتفتخر بكونها خُلقت أنثى؛ بل تحلم بأن تكون عشر نساء معا؛ لأن حياة واحدة لا تكفيها لتحقق أمنياتها الكثيرة- بعضها مقصور على النساء- بل حتى لو تحققت أمنياتها الصعبة التي هي في عداد الأمنيات المستحيلة، فلن تكفيها حيوات عشر نساء لتقوم بما تريد أن تقوم به هذه الأنثى الاستثنائية, وهؤلاء النسوة العشر تحلم البطلة أن يعشن حيوات مختلفة ومتعددة.
المرأة.. والحب
قصص الحب التي تقدمها المجموعة هي قصص تصور المرأة من زاوية تكسر فيها روتين علاقات الحب المعهودة.
فبطلة قصة (تلفون) تحب رجلا يكن لها الحب بدوره، ولكنه لا يصارحها؛ لذلك تنوي أن تبدأ هي المصارحة بحبها دون أدنى حرج، فهي ترى أن هذا شيء طبيعي لا عيب فيه؛ وهي لن تستسلم للدموع كشأن النساء في القصص الرومانسية التقليدية. ولكنها تنتظر عودة خطيبها من السفر كي تفسخ الخطبة، وبذلك تتحرر من عهدها، قبل أن تبدأ عهدا جديدا: (شعرت بأن اعترافي سيكون رخيصا. إذ كيف أقول له إنه ربح المعركة وهو وحده في الساحة؟ ما قيمة نصره؟. ص35).
ولكن خطيبها العائد من السفر يفاجئها بزواجه من أجنبية،.
المرأة.. والغربة
نساء المجموعة مثقفات، وبعضهن كاتبات، وهن متحررات يفعلن ما يعتقدن به دون تردد، أو اكتراث بأي شيء خارج ذاتهن. ولكن هذا التحرر هو تحرر ناضج حيث كل البطلات ملتزمات بالمبادئ السامية، والقيم الرفيعة.
وعلى الرغم من تحرر بطلات القصص وشكواهن من الوحدة والعزلة. فهن يعشن وحيدات في المنزل- رغم اتساعه- حيث لا يشاركهن فيه: أب، أو أم، أو إخوة، أو زوج، أو ولد. وهذه الوحدة تزداد عمقا في حال سفرهن خارج وطنهن. بل قد يشعرن بالغربة حتى في هذا الوطن لأسباب عدة.
وهذه المعاناة تبرز في عدة قصص، منها قصة (ألم برجوازي) التي تصف أحزان امرأة نادرا ما تتحدث عنها القصص. فهذه المرأة ثرية، إضافة إلى كونها متحررة، حيث يزورها أصدقاؤها الرجال دون أن يعني لها هذا أي حرج. وهذا نموذج نادر في القصص التي ترصد عادة معاناة النساء اللواتي يكن عادة فقيرات، أو اللواتي يشكون من التسلط الذكوري يعاملهن بدونية بصفتهن يحتجن إلى وصي يرعى شؤونهن. والكاتبة تدرك هذا جيدا، لهذا عنونت قصتها هذه بعنوان موحٍ، وصريح (ألم برجوازي).
إذا لهؤلاء النسوة أحزانهن أيضا، وان كانت أحزانا مترفة إذا قيست بمعاناة الشريحة الأوسع من الناس، التي تسمع عنها بطلة القصة من بعد ,ولرقة مشاعر المرأة تشعر بشيء من تأنيب الضمير لأنها تمتلك ميزات مقصورة على فئة محدودة من الناس هي منها، ولكن هذا يبقى في حدود التعاطف السلبي، أي لا تعمل هؤلاء النسوة لتقديم عون للفقراء، أو المساعدة، فهن يعتقدن أن الأمر قدري، لذلك لم تعمل أي امرأة على محاولة تغييره. مع التنويه إلى أن مساعدة صديق معوز يكون في حدود الصداقة لا غير، أي ليس تعاطفا مع هذه الشريحة ككل.
الفراق بين الحبيبين يتكرر في أكثر من قصة، ومنها قصة (صدركَ وطني) فالفراق هو قدر كل عاشقات المجموعة، دون ذكر تفاصيل هذا الفراق أحيانا، فليس المهم هنا الأسباب، بل النتائج التي ترصد فيها القاصة حالات الغربة بأطيافها: (ورغم كل شيء، كان لا بد من السفر.. وعاد كل منا إلى بلده. ص73).
وأحد جوانب الغربة هو السفر الذي يقصي الإنسان عن وطنه، وهذا ما يقودنا إلى موضوع أشمل، وهو السفر، والشعور بالغربة الذي قد يلاحق البطلات حتى داخل وطنهن، ربما لذلك يتماهى الحبيب مع الوطن في بعض القصص ,وحالات الغربة بأطوارها تتحسسها أكثر نساء المجموعة، وبذلك لم تكن مشاعر المرأة متقوقعة تقتصر على فقدان التواصل بينها وبين العائلة، أو المجتمع؛ فالمرأة لديها إحساس بالهم العام، لهذا تأخذ مشاعر الغربة طيفا واسعا لا يقتصر على معاناة المرأة، بل يشمل موضوع الاستلاب في الوطن بمفهومه الشامل العام.
خاتمة
تناولت في هذه الدراسة قصص مجموعة (امرأة) باستثناء قصة (السيدة المجهولة) التي اختلفت بموضوعها الغرائبي ونفرت عن سياق سائر القصص- رغم أن بطلتها امرأة- لأن موضوع هذه القصة لم يتناسب مع الزاوية التي نظرنا فيها إلى قصص هذه المجموعة التي كانت المرأة المحور الذي اخترت دراسته من أكثر من جانب، كشخصية رئيسية يرتكز عليها الحدث بشكل أساسي.
سامر أنور الشمالي

المزيد...
آخر الأخبار