أذكر أنني كتبت في منتصف التسعينات دراسة في صحيفة العروبة عن الشاعر الشاب طالب هماش ومما قلته فيها : «تابعت الشاعر طالب هماش قصيدة قصيدة وفي كل قصيدة يؤكد أنه مخلص لفنه الشعري أيما إخلاص وأنه يواكب الحداثة الشعرية في أدبنا العربي الحديث ».
والحقيقة أن الشاعر سار على طريق عبقر يمتلك سلاحين ماضيين : سلاح الموهبة الشعرية المتوقدة , وسلاح الدأب والمتابعة الذي يتولد من إيمان راسخ بأهمية الشعر ملك الملوك بين الفنون الأدبية كما وصفه أستاذي الناقد حنا عبود ومازلت أعتقد أن سلاح الموهبة هو الأساس وأن من لايملكه عليه أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين ويترك كل فن لمن وهبه الله بذور هذا الفن وعمل على سقايتها ورعايتها لتعطي أوراقاً خضراء وأزهاراً فيها ألوان قوس قزح وثماراً يدوم طعمها طويلاً.
واذكر أن الناقد أحمد جاسم الحسين كتب في تعليق نقدي على قصيدة طالب هماش – شجرة المساء – قائلاً :
« قصيدة طالب هماش – شجرة المساء – هي تجربة متميزة ستفرز لنا شاعراً سيكون له كما أعتقد مكانه متميزة على ساحة الشعر العربي الحديث « وكانت دراسة أحمد جاسم الحسين منشورة في جريدة البعث في أيلول عام أربعة وتسعين وكان اعتقاد الناقد الحسين في مكانه وأنا أعتز أنني تابعت إبداعات طالب الشعرية قصائد متفرقة ثم مجموعاته وكانت مجموعته الأولى قد صدرت في حمص عام سبعة وتسعين بعنوان : نبوءة الثلج والليل – ولقيت احتفالاً من الدارسين والنقاد تستحقه .
وتلتها بعد سنتين مجموعته – وكأني أمومة هذا الحياة – وبعد سنة واحدة صدرت مجموعته الثالثة عن وزارة الثقافة بعنوان – آخر أسراب العصافير وفي العام نفسه صدرت مجموعته الرابعة عن اتحاد الكتاب العرب تحت عنوان – راهبة القمح الحمامة وكانت مجموعته الخامسة بعنوان – كأخر بيت في مرثية مالك – وصدرت عن وزارة الثقافة عام ألفين والشاعر الذي نشأ وترعرع منذ المرحلة الابتدائية في قرية – تير معلة – على نهر العاصي أو قريباً منه , تظهر البيئة الريفية في قاموسه الشعري كثيراً وخصوصاً أبراج الحمام والزغاليل .. وهذا ما دفع الشاعر الإعلامي نضال بشارة الى القول مداعباً الشاعر : والله سأذهب ومعي بندقية صيد الى داركم وأغتال طيور الحمام كلها لأحرمك من هذا القاموس الشعري الريفي ..!! أعتقد عندها :
ستسمع حزني الغمامات
ثم ستمطر فوق دروب الأحبة
والحور سوف يذر رذاذ الدموع
على تربة الحب
لا تتركوني بعيداً عن القمح أبكي
فقلبي شهيد الطحين
واليوم بين يدي المجموعة الشعرية الأخيرة للشاعر وعنوانها :
ياهواء حول الحور الى نايات – وأنا سعيد جد سعيد بقراءتها .
د. غسان لافي طعمة