الكثير من الكتاب يرى حدوداً صارمة بين الكتابة والتجارة لذلك يقوم بإهداء نسخ كثيرة من مؤلفه الجديد إلى المهتمين بالشأن الثقافي دون مقابل مادي ,في حين يرى الكثير من الكتاب أيضا أن بيع الكتاب يضمن استمرارية الكاتب وبقاءه على قيد الإنتاج ومن حق المؤلف أن يسترد جزءاً من النفقات الطباعية المكلفة في ظل الغلاء الفاحش الذي وصل للحبر والورق .ولأن الكتابة رحلة خلق كما يرى الكثيرون من أهل الأدب فمن حق الكاتب الاحتفاء بمنتجه الجديد من خلال حفل توقيع ,يشبه «المباركة» بمولود جديد ,فحفلات توقيع الكتب تقليد حضاري ثقافي رفيع المستوى يلتقي فيه المؤلف مع المتلقي خاصة عندما تسبق الحفل قراءة نقدية في الكتاب يقدمها ناقد معروف له تجربته المشهود لها بالنبل والحيادية ,وقد حضرت منذ بداية العام الجاري حوالي عشر حفلات لتوقيع كتب جلها في الشعر ,أقيم معظمها في قاعة سامي الدروبي في المركز الثقافي والبعض منها احتضنته رابطة الخريجين الجامعيين ,وتم إهداء الكتب مجاناً للأصدقاء الذين لبوا الدعوة, طبعاً الهدف من خلال تلك الحفلات وصول الكتاب لأكبر عدد من المهتمين بالشأن الثقافي ,في ظل شكوى دور النشر المستمرة من الخسائر المتتالية فالمبيعات من كتب الطبخ والأبراج والمعاجم اللغوية لم تعد تغطي تكلفة إيجار أي مكتبة في ظل انتشار الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ,فلا أحد يمكنه الاستمرار في مهنة خاسرة وبما أننا نتحدث عن شجون الطباعة فلا بد من الاعتراف بأن طباعة كتاب ثم إقامة حفل توقيع بات طقساً للميسورين فقط وتحضرني هنا قصة للمبدع عزيز نيسين عندما سأل صديقه على لسان شخصية مثقفة إذا كان يريد أن يأكل «الكاتو» ويبتسم للكاميرا بالمجان فما عليه سوى تلبية دعوة لحفل توقيع كتاب .والمهم في الموضوع أن يكون الكتاب قيما لا أن يشعر القارئ بعد تناوله بالخيبة لأن منطق التجارة انسحب على المضمون والشكل في كثير من الأحيان وباتت الحدود متداخلة بين التجارة والثقافة .
ميمونة العلي
المزيد...