العاصي يجري شمالاً في ديوان « قيثارة الخلود » للشاعر « نبيل باخص»

ادخلوا حمص آمنين فقد اقتلع جيشنا الباسل أشواك الإرهاب من أرضها الطيبة .
إذا كان مضمون القصيدة هو الشهيق فإن الشكل هو الزفير و كلاهما ضروريان لاستمرار حياة النص الشعري كي بشع باستمرار بالإبداع و الروعة و الجمال و الفائدة و المتعة .
هذا الديوان يبحر تحت علم الكلاسيكية الجديدة من حيث الشكل و الأفكار و الواقعية من حيث المضمون و هي تبقى على حديقتها يانعة جميلة ،و تحرص على اقتلاع حشائش الحداثة كلما ظهرت في أرضها محافظة على تقاليدها العريقة .
كلما زاد الهمّ القومي زاد الاقتراب من آلام الناس … و السباحة مع المرأة في بركة القمر فن لا يجيده إلا القلة من أفراد المجتمع،و دفء العائلة و الأصدقاء شمس تمطر ذهباً و من افتقد هذه الأمور الثلاثة كالنسر الكسير مقصوص الأجنحة مبرود المخالب .
هذه هي الأفكار الوضاءة التي انبثقت من ثنايا الديوان فالشاعر « نبيل باخص» لم يغادر سفينة الوطن و المرأة كانت أول سحابة ماطرة تغزو سماءه القاحلة و العائلة و الأصدقاء أرض موعودة لا يمكن العيش خارج حدودها .إن مستوى الصياغة الشعرية في هذا الديوان يرتقي إلى درجة رفيعة من حيث الإجادة و الترابط و المهارة فالشاعر لا يتعمد في قصائده ضخ سيل من التشابيه و الاستعارات و الكنايات ،يغرق الأبيات بالتزويق المفتعل و التجميل الزائف و لكنه يترك نفسه على سجيتها من خلال خيال منطلق وثاب مستعيناً بالصور الواقعية التي يستمدها من حياة المجتمع فيجعلنا ندرك انفعالاته و نشارك بها لأنه صادق الشعور متوفر الإحساس قادر على خلق الصور و رؤية مالا يراه غيره مما يساعده على التحليق في سماء الفن خافق الجناح
و أسلوب الشاعر يحاكي نفسه القلقة المتحركة فهنا أداة الشرط المترفة و هناك الاستفهام الانكاري و الانتقال إلى الإخبار و التعجب و التخيل والنفي و الإيجاب مما يعطي للخيال ألوان قوس قزح رائعة الجمال ، و عاطفة الشاعر صادقة و هو منصرف إلى التعبير عنها بموجة خضراء بحرية فنية مرغوبة ، و الألفاظ تواتيه و كأنه يتكلم بحديث منثور إلى الناس الفأس و القوافي تهجع مطمئنة في أماكنها من غير أن تكون مقهورة أو قلقة أو متكلفة و موسيقا الأبيات تغذي الروح برنين عذب يهيئ المشاعر المرهفة لبلوغ ذروة السعادة و تسري فيها سريان اللون في اللوحة الجميلة و العطر في ورق الورد و معاني الأبيات واضحة مطردة التعبير موشاة بخيال مجنح و تغلب العقل على العاطفة و الطريقة التي يعرض بها الشاعر آراءه مطولة فهو يكرر بعض معانيه بصور مختلفة مغيراً الألفاظ فقط مما يحول بعض الصور الشعرية الى لمحات موجزة أخذت صفة التقرير أحياناٍ و يمتاز الوصف عند الشاعر بالجدة و الاستقصاء وبقوة تداعي الصور فيه و قدرته على اختزان الصور التي تؤثر بالذاكرة لأن الشاعر يشوى على جمر المعاناة الحقيقية و الصراخ لديه بقدر الألم ،ينطلق مختلطاً بدماء الشهداء الأبرار … وتعود مدينة حمص لتكتب تاريخها المعاصر بمداد الدم و التضحية.
تمتاز القصائد في هذا الديوان بحسن ارتباط أجزائها وجودة تتاليها و هي لا تحفل باللفظ بل بالمعنى و تنميق الجمل مع الابتعاد عن الغامض و المعقد بل تستقصي المعاني السهلة القريبة.
هذا الديوان تقاسيم بحد السيف على أوتار قيثارة الوطن و هو عصارة فكر و منقوع مشاعر و أحاسيس إنه جهد مخلص لاستعادة الوطن من أنياب الإرهاب الذي أنشب أظفاره في جسده بعد ان بدأت سنابل النصر تتعالى و اقترب موسم الحصاد.
نزيه شاهين ضاحي

المزيد...
آخر الأخبار