قبل خمسة عشر عاماً تعرفت عليها،هي مدرسة للغة العربية ،قديرة، ومشهود لها بثقافتها وعشقها للمطالعة والشعر …في نبرة صوتها شيء كثير من الثقة بالنفس ، وفي بريق عينيها تفاؤل وعزيمة …!!.
كنت مديراً للمدرسة التي تعمل بها منيرة سليمان علوش ..وعندما نقلت من عملي في التربية إلى الإعلام ،انقطعت أخبارها وأخبار الكثيرين والكثيرات من الزملاء القدامى .
وقبل أسابيع قليلة ،فوجئت بكتاب شعري أرسلته الشاعرة منيرة علوش يحمل عنواناً لافتاً هو (صخب في زمن الصمت)..
لماذا الصخب ؟!ولماذا الصمت؟!.
في تقديري أنّ الصمت هو الرتابة ، السكون، وهو مقترن بالنوم وبالقبول بما هو موجود.والصخب عكس ذلك هو الصراخ،الاحتجاج الاندفاع نحو الأفضل ..هو الحركة …والحركة بركة ،في القول وفي الفعل .
قصيدة النثر تكسب صوتاً جديداً ،هو صوت منيرة علوش .
في قصيدتها الأولى ، فاتحة المجموعة ، وعنوانها (حكايات وحروف)ثمة اعتراف بأنّ الشعر اقتحم عالمها.. قبل أن تخوض عبابه ، الشعر كتبها قبل أن تكتبه . تقول:
/أخط خربشات،
من بوح وجداني ،
ولا أنسج قصيدةً
ماأنا بنساجة ماري …
وصباغها الأرجواني
وما للزمان حكم عليّ /
وثمة مشاعر صوفيّة وجدانية كما في قصيدة (لك أشتكي)فالغزل رمز صوفي قبل أن يكون رمزاً جمالياً حسياً.. وهي عندما تشتاقه فإنما هو شوق الروح لتعانق روحاً .. أضناها هجرها وآلمها بعدها .تقول :
/ينبوع شعري ينبيك عني
يازائر الليل يا مشكاتي ونورها،
منّي إليك سلام مغرم
أضناه الشوق وجمره
لظبي جميل يختال بين الروض
ياغزالي
ظبي .. الروح فيه تنتشي/
الحبّ هو حبّ روحي والشوق نعمةً من الله ، وهذا ما يؤكد قولنا عن اللمحات الصوفيّة في شعر منيرة علوش، مما يضفي على أفكارها سموّاً راقياً وإنسانياً تقول في قصيدة :
( تناغم الأرواح):
الحبّ ياأنيستي
بالروح لا الجسد
الروح تنقنق من القيد
اجلي الوجود بأشواقك /
وفي قصيدتها (خمرة الروح) عودة إلى النفس الصوفيّ، والخطاب الوعظي ، من حيث أنّ النفس البشرية هي سرّ الوجود . نقرأ:
/غرّدي وانشدي
يانفس ،
سرّ الخلود.
اشربي من خمرة الروح
وجدد العهود
الدنيا .. لحظة تزول
وما يزول ..لا يعود/.
وفي (عذراء الأبجدية ) فخر واعتزاز وشموخ لأنها سوريّة بامتياز.
والقصيدة وطنية، مدادها حبر التاريخ الآتي من أبجدية أوغاريت والفينيق.. والشام وعشتار وإيبلا .تقول :
/أنا السوريّة أتكلّم
أنا امرأة الأبجدية
أبا هي كل أبناء البرية
أبي سيّد الحكمة
ستموتون أيها الهمج
وأبقى ..أنا ..السوريّة
تأخذنا الشاعرة منيرة علوش إلى عالم باذخ وآفاق بعيدة ،واسعة ، مشرقة …
هي تتحدث بلسانها كشاعرة وبلسان المرأة السورية. كلماتها بسيطة ومدهشة كالماء وعباراتها صافية كسماء الربيع السّوري .هي تنيرنا بحروفها الأنيقة الباذخة في الجمال .. وعناقيد العنب في بستان شعرها تخلب الألباب هي تنيرنا نعم.. أليست هي «منيرة »؟!!
عيسى إسماعيل