ثمة الكثير من التساؤلات التي تتوالد في الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد ،حين ترتفع الأسعار بشكل جنوني ولا يعود بمقدور أحد ما أن يضبط حركة أسعار المواد التي يكتوي بها جيب المواطن الحلقة الأضعف كونه المستهلك لكل تلك السلع المطروحة في الأسواق وهو من يدفع فاتورة الغلاء التي تصيب الجميع دون استثناء …
ومن تلك التساؤلات على سبيل المثال : إذا كانت المواد المستوردة مثلاً هي التي ترتفع أثمانها فما سبب ارتفاع بقية السلع التي تنتج محلياً ،وموادها الأولية لا تخضع لحركة الاستيراد وذلك لأن أي ارتفاع بالدولار وهو العملة الصعبة التي يتم الاستيراد بها يتم حساب السلع المستوردة على سعر الصرف اليومي ولهذا فالمواد المستوردة تخضع لسعر يومي حسب التسعيرة التي تخضع لها السوق السوداء بالدرجة الأولى وليس حسب تسعيرة البنك المركزي السوري مع العلم أن البنك المركزي هو من يقوم بتأمين القطع الأجنبي للمستوردات فنرى أن التاجر يستفيد من تلك الميزة حيث يشتري بالعملة التي تؤمنها الدولة حسب سعر البنك المركزي ، وحين يبيع تلك السلع المستوردة فهو يقوم بحساب الدولار على سعر السوق بعد أن يكون قد سدد للبنك فاتورة الاستيراد على السعر الرسمي وهو بذلك يربح مرتين الأولى من الفارق في حساب سعر الصرف الذي يختلف بين السوق السوداء وسعر البنك عند الاستيراد حيث يكون السعر منخفضاً وفي المرة الثانية حين يرتفع سعر الصرف فيبيع بالسعر المرتفع ويسدد على السعر القديم الذي اعتمده المصرف في المرة الأولى .. وهي لعبة يتقنها التجار المستوردون فهم رابحون وبكل الحالات الخاسر الوحيد بالطبع هو المستهلك ..على الرغم من الجهود التي تقوم بها مديرية حماية المستهلك في تلك الأزمات إلا أن كل تلك الجهود تذهب أدراج الرياح حيث لا تحقق تلك الجهود أي نتائج على أرض الواقع فمن يرفع الأسعار ولا يمكن أن تناله دوريات حماية المستهلك لأنه بعيد عن أعينهم فهو يرفع الأسعار ولا أحد يسأله عن السبب ومن تناله دوريات حماية المستهلك هو الحلقة الأضعف في العملية التجارية وهو بائع المفرق الذي يكون على علاقة مباشرة مع المواطن ومع دوريات حماية المستهلك التي لا نراها على سبيل المثال تدخل إلى مكاتب التجار ومكاتب الوسطاء الذين يوزعون تلك السلع على محال بيع المفرق ولذلك فالمعالجة على الأغلب تبدو ناقصة لأن ثمة حلقة مفقودة من العملية تبدو غائبة وليست في متناول دوريات حماية المستهلك الذين يكونون مطالبين بإنجاز عدد معين من الضبوط التموينية ولعل الأسابيع الماضية شهدت حالات إغلاق للكثير من المحال لمخالفتها ولزيادة أسعارها في حين أن البعض الآخر كان بعيداً عن أعين دوريات حماية المستهلك التي يمكن القول أن ليس كل تلك الدوريات تتمتع بالنزاهة المطلوبة وهناك من يعرف كيف يتعامل مع تلك الدوريات ويعطيها المعلوم دون اتخاذ أي إجراء مع أن تلك المحال ربما تكون مخالفتها صريحة وواضحة .
أعتقد أن ثمة خللاً في عمل دوريات حماية المستهلك لأن البعض منهم اعتاد على المعلوم ولذلك فإن حركة الأسواق تبدو غير منضبطة ولن تنضبط لأن تلك الدوريات ليس همها ضبط حركة الأسواق بل الحصول على المعلوم ولذلك فإن الأمور لاتبدو مشجعة في ظل هذه الفوضى المستشرية في الأسواق وذلك لأن علاج هذه المسألة لايكون بمتابعة بائعي المفرق بل بمتابعة الحلقات الأكبر منها وهم حلقة التجار المستوردين الذين يكونون خارج المساءلة وبعيدين عن الرقابة التي يفترض أن تبدأ من أعلى الهرم ( أي التجار والمستوردين ) وليس من أدنى الهرم «أي باعة المفرق» ولذلك فإن كل الإجراءات التي تأخذها مديرية حماية المستهلك لا طائل منها لأنها لا تبحث في أساس المشكلة ولا تعمل على حلها لأن باعة المفرق هم الحلقة الأضعف في العملية التجارية ولذلك يدفعون الثمن مخالفات وإغلاقاً ودفعاً للمعلوم ولكن في النهاية هل تحل المشكلة .. لا أعتقد أنها تحل بتلك الطريقة ولا يمكن أن تحل لأنها لا تعالج الأسباب والمسببات لتلك الأزمات ولذلك فإن كل الجهود تبدو ضائعة وغير فعالة وكمن يدق الماء وهي ماء ..
هل يمكن للجهات المسؤولة أن تقضي على هذه الأزمة وعلى كل الأزمات التي تواجه بلادنا ..؟ إذا كانت جادة بالقضاء على هذه الأزمات بالتأكيد تستطيع ،وهذا لا يتطلب إلا البحث عن الأسباب والإمساك برأس الخيط للوصول إلى معالجة فعالة لا يحتاج فيها باعة المفرق للتهرب والإغلاق ودفع المعلوم .. واللبيب من الإشارة ؟؟؟
عبد الحكيم مرزوق