يؤكد علماء النفس أن ما يساهم في التأثير السلبي لبرامج العنف التي يعرضها التلفزيون هو الرسائل المضلّلة التي يبعث بها الإعلام إلى عقول الأطفال عبر مختلف صور العنف، ومن بين تلك الرسائل تبرير أعمال العنف بما أن معظم أعمال العنف التلفزيوني الذي يشاهده الطفل عبر الشاشة الصغيرة يرتكبه»البطل» أو «الرجل الصالح «فهو دائماً مبرّر ومسموح به و إيهام الطفل بأن العنف جزء طبيعي من حياتنا اليومية، وفي هذا الإطار يروي أحد الباحثين أن طفلة في الرابعة من عمرها علمت بوفاة والد صديقتها، فكان السؤال الأول الذي طرحته: من قتله؟ مفترضة بذلك أن العنف هو السبب الطبيعي للموت و تصوير العنف بصورة مضحكة، لا سيما عندما نسمع قهقهة الأبطال حينما تبدأ عمليات الضرب والصراخ والمكائد بين الشخصيات الكرتونية التي يحبّونها.
و كشفت إحدى الدراسات الحديثة أن الأطفال بين العاملين إلى خمسة أعوام الذين يتابعون مشاهد عنف بالتلفاز من خلال الأفلام الكرتونية لمدة ساعة في اليوم يزداد لديهم احتمال أن يتسموا بالعدوانية الشديدة في مرحلة عمرية لاحقة من طفولتهم، ولكن هذا الاحتمال قد لا يثبت عند الفتيات.
ووجدت الدراسة التي أجريت على 481 طفلا كان يعاني 52 طفلا منهم من مشكلات خطيرة ترتبط بالعنف، وكانوا يحرصون على مشاهدة برامج العنف من خلال التلفزيون لمدة ساعة واحدة على الأقل يوميا في المتوسط، وأن احتمال تصنيفهم بهذه المجموعة كانت أرجح 3 مرات عن أولئك الذين لم يشاهدوا برامج عنف، لافتة إلى أن كثيرا من الآباء ليسوا على دراية بأن العروض الكرتونية وألعاب الفيديو والأفلام التي يشاهدها أطفالهم تنطوي على عنف، وليست مناسبة لتلك الفئة العمرية من حياتهم، حيث أنهم لم يستطيعوا في هذه السن الصغيرة التمييز بين الخيال والواقع، حيث يتعلم الأطفال العنف عن طريق أفلام الرسوم المتحركة أنه مرح وليست له أية عواقب تذكر، لافتاً إلى أنه عندما تدمر رأس شخص في فيلم رسوم متحركة وتعود سليمة ويضحك عليها الأطفال، فإنهم يعتقدون بالفعل أنه ليس هناك عاقبة خطيرة
تأثير تراكمي
وأشار الباحثون إلى أن تأثير مسلسلات الكرتون على الأطفال يكون تأثيرا تراكميا أي لا يظهر هذا التأثير من خلال متابعة هذه المسلسلات لمدة شهر أو شهرين، بل يكون نتيجة تراكمات يومية مع كثرة المشاهدة، مؤكدين أن هناك بعض الأفلام الكرتونية التي تعرض مشاهد عنف وتنسف المبادئ، كما في مسلسل البوكيمون، ومسلسلات تحمل أساليب الانتقام وكيفية السرقة، وكل ما يفتح لهم آفاق الجريمة، مما يكون له تأثير سلبي على الأطفال، لافتين إلى أنه من الممكن أن تتحول تلك الشخصيات الكرتونية إلى سموم قاتلة للأطفال، حيث يكمن وجه الخطر عندما تكون هذه الأفلام صادرة عن مجتمع له بيئته وفكره وقيمه وعاداته وتقاليده وتاريخه، ثم يكون المتلقي أطفال من بيئات ومجتمعات مختلفة ، فإنهم بذلك سيحاولون التعايش مع هذه الأعمال والاندماج بأحداثها وأفكارها، ولكن في إطار هويتهم التي يفرضها عليهم مجتمعهم وبيئتهم.
الإصابة بالسمنة
و لم تتوقف خطورة الشخصيات الكرتونية عند حد غرس العنف لدى الأطفال، حيث أكد باحثون أن بعض الشخصيات الكرتونية التي يشاهدها الأطفال في أفلام الكرتون لها تأثير مباشر على العادات الغذائية وفرص إصابتهم بالسمنة وفرط الوزن، حيث أن مشاهدة أفلام الكرتون والتي يعاني منها أبطالها من فرط في الوزن والسمنة، من شأنها أن تشجع الأطفال والشباب على تناول الأطعمة غير الصحية بكميات كبيرة والتي يفضلها الطفل أثناء مشاهدة التلفار، بالإضافة إلى أنهم يتناولون ضعف كميات الطعام بخلاف الذين لا يشاهدون هذه الأفلام الكرتونية، وهو ما يؤدي بشكل طبيعي إلى السمنة وفرط الوزن وزيادة محيط الخصر، و على الرغم من أن تلك الشخصيات خيالية؛ إلا أن الأطفال لا يعرفون التفريق بين الخيال والواقع، حيث يلاحظون أن الشخصيات الكرتونية بيضاوية الشكل تعاني من زيادة في الوزن، ويطبقون عليها نفس المقاييس البشرية متخذين منها قدوة، ويقبلون على الطعام بكميات كبيرة دون وعي .
تعليمات إرشادية
وتقول إحدى المتخصصات في التربية والإرشاد الأسري: إن هناك تأثيراً كبيراً تحدثه تلك الشخصيات الكرتونية على الأطفال، والذي يظهر على مراحل تدريجية، فالطفل في مرحلة التكوين يتلقى معلوماته من الأعمال الكرتونية، مؤكدة أن ترك الأطفال بمفردهم أمام التلفزيون من أكبر الأخطاء التي يقع فيها أغلب الآباء والأمهات، فأصول التربية الصحيحة تكمن في جلوس الطفل ثلاث ساعات فقط أمام التلفزيون ويجب أن تكون تلك الساعات تحت إشراف كل من الأب أو الأم، ويتخللها حديث وتعليمات إرشادية عما يدور في الأفلام بشكل هادئ يتناسب مع سن الطفل، لأن معظم برامج الأطفال الآن مستوردة وتنشر مفاهيم خاطئة تماما، من شأنها أن تزيد العنف لدى الأطفال وتغير سلوكياتهم والعادات التي ينشؤون عليها، لافتة إلى أنه من الممكن شغل أوقات الأطفال من خلال ممارسة أنشطة أخرى، والتي تنمي قدرتهم وتنشئهم نشأة طبيعية .
المزيد...