توظيف الرواية في بناء النفس الإنسانية جسداً وروحاً

قدم القاضي الاديب مالك أمين دراسة نقدية فلسفية بعنوان «منظومة العقل والعدالة والمعرفة » في أعمال الروائي عبد الغني ملوك»في مقر رابطة الخريجين الجامعيين بالتعاون مع جمعية العاديات.
بين فيها أنه بعد قراءة جميع أعمال الروائي عبد الغني ملوك ( مرايا النهر – ثلاثية مجامر الروث – جسر على نهر جاف – أحلام الذئاب – … ) وجد خيطاً مشتركاً يربط فيما بينها و هو توظيف العمل الروائي لما فيه خير وصلاح الإنسان , إلى درجة أنه يتحقق بشكل فعلي وعلى أرض الواقع, لأنه أناط بالأحداث والوقائع مهمة الحامل للعبر والأفكار التي تتمحور حول بناء النفس الإنسانية جسداً وروحاً , فقد جعل بطل إحدى رواياته(أواخر الأيام) يبحث عن السعادة الحقيقية , ..؟ مثل هذه السعادة لا يمكن أن يجدها طالبها إلا من خلال البحث في فلسفة الحياة وفي طبيعة الروح الإنسانية , فأخذ الحوار في روايته تلك وفي مواضع كثيرة طابعاً فلسفياً وروحانياً ، ويضيف الناقد مالك امين : فمن خلال دراسة إحدى الشخصيات (سميرة ) يبين لنا الروائي أهمية المعلومات والمعرفة والتواصل الاجتماعي في مواجهة الحياة والمجتمع وفي اتخاذ القرار , الأمر الذي مكن سميرة من اكتشاف الصراع النفسي الداخلي .؟

الحياة قائمة على التناقضات.؟
ويضيف: من خلال التناقض الكبير بين حياة الشخصيات مثل التناقض بين (سميرة وزوجها دباح البقر ), مرر لنا الروائي أفكاراً عديدة , أهمها إظهار التناقض في الحياة التي يعيشها البشر , فقد كان الزوج يعمل في مسلخ لذبح الأبقار , لهذا سمي بدباح البقر , وأنها في ليلة زفافها وهي تلبس ثوب العرس الأبيض , تنتظر من زوجها الحب والحنان وجمال الحديث , أخذ يحدثها عن عمله ويوصف لها كيف يقوم بذبح الأبقار
فقالت له :
( لقد أخفتني , وانتابتني قشعريرة , ولكن ماذا تشعر عندما تذبح البقر؟؟ )
أجابها : ( لقد امتهنت عملي هواية , أنا أشعر بلذة النشوة , وتتلاشى توتراتي وأفقد انزعاجي عند الذبح , بل أشعر بمتعة لذيذة لا أعرف سببها )
من خلال هذا الحديث يظهر جليا كيف وظف الروائي التناقضات لصالح تنامي الحدث في النص وقد أثبت أن شخصياتها لا تضل السبيل مهما تعرضت لظلم.
وفي هذا الموضع أثار الروائي إشكالية قديمة جديدة , مفادها : هل القدر هو الذي يحدد مسار حياتنا ؟؟ أم أن شيئاً آخر هو الذي يحددها لنا ؟
ويستمر تنامي الحدث من خلال سرد مصير سميرة , وكيف زوجوها بعد دباح البقر لرجل مسن , عملت لديه ممرضة لا زوجة حتى وفاته , ثم عملت مع امرأة اكتشفت أنها تعمل في الدعارة , فرفضت العمل لديها ,و بفضل شخصية عبد القادر بدأت سميرة تتدرب على الحاسوب , وتحسن وضعها المالي وشعرت ببعض الطمأنينة , بقيا هكذا حتى وجد الحب طريقه بين قلبيهما , ربما بدأت العدالة تفرض أحكامها , إنه الفرج بعد الكرب , ولكن ليس من السهل على الحياة أن تنصف مظلوما , ؟؟
وفي هذه الموضع لم ينس الروائي النواظم القانونية والأخلاقية الواجبة على بني البشر , لذا لم ترض سميرة بالخلاص من مأساتها في الحياة إلا إذا كانت الطريق تمر عبر هذه النواظم . وهذه عبرة من العبر يطرحها لمن أراد أن يعتبر .

الطريق صعبة ولكنها ليست مستحيلة.؟
ويتابع القاضي أمين: ها هو المؤلف بأقل الحروف يطرح أعمق الفكر , إنه يدعونا بألا نُخْضِعَ تصرفاتنا وقراراتنا إلى رغباتنا وغرائزنا , ويالها من دعوة جميلة إنها بمثابة الدستور في الحياة .
لقد انهار الكثير ممن كانت معاناتهم أقل مما عانته الشخصية الرئيسية سميرة , أما هي قال عنها الروائي : ( لقد زادت الحادثة في إصرار سميرة على الكفاح , إنها الآن مسلحة بشيء من الخبرة , وتتدرج في طريق العلم , صممت , وبإرادة قوية , بأنها ستثبت ذاتها , وقد اكتشفت نقاط قوتها , الطريق صعبة لكنها ليست مستحيلة , … ) , في هذا الموضع يطرح الروائي معادلة كبيرة جداً خلاصتها : أنه مع كل لحظة صبر نزداد قوة , فإذا اشتدت على الإنسان الكُرَبُ والمحنُ وجب عليه أن يزداد صموداً ومقاومة, فالصبر طريق الفوز .
ثنائيات الحياة الإنسانية.!
لقد تميزت روايات الاديب عبد الغني ملوك بالبحث وبالعمق في حديث النفس وشهواتها , كما بحث في حديث الروح ومعاناتها , وآلامها , وآمالها , وحاجاتها , في هذه الرواية غدا هذا الحديث أكثر إمتاعاً وحيوية وإثارة من الحديث عن الوقائع التقليدية , وقائع القتل والعمل والتجارة , لقد أبدع في الحديث عن ثنائيات الحياة الإنسانية , لقد تحدث عن الظلمة والنور , والحكمة والجهل , والأمل واليأس , والقوة والضعف , والهدم والبناء , والفضيلة والرذيلة , كانت الرواية عالماً مليئاً بالأفكار والحكم والصور المضيئة , لقد ضخ المؤلف الأمل في النفوس اليائسة , وفي الأرواح المتهاوية , يقول لنا : إن باب الأمل , باب مفتوح غير مغلق .

عبر وحكم
تضمنت روايات عبد الغني الكثير من الفكر والعبر أهمها :
إن الإنسان إذا قضى حياته وهو يؤمن بأنه من تراب وستكون نهايته إلى التراب , سيعيشها بشكل مختلف تماماً عما لو كان لا يؤمن بذلك ,
إن الحياة الرغيدة المليئة بالملذات والمسرَّات حتى لو كانت مشروعة , لا تجعل الحياة سعيدة , ما لم يكن الإنسان مشبعاً بالحاجات الروحية ,.
إن الأصل أن تأخذ العدالة مجراها ,
إن الالتزام بالضوابط القانونية والأخلاقية شرط لازم ولا غنى عنه لصلاح النفس على صعيد الفرد والمجتمع .
إن العمل الجاد , والصبر , والإرادة القوية , من أهم المستلزمات الضرورية لتحقيق الأهداف .
. يقوم هذا التفكير على مجموعة من العناصر هي :
– إعمال العقل .
– امتلاك العلم والمعرفة والمعلومات .
– الإرادة الصلبة لتحقيق الأهداف .
– تحري الحقيقة .
– الإيمان المطلق بالعدالة .
– الالتزام بالقواعد القانونية والأخلاقية .
من الجدير بالذكر انه صدر للروائي عبد الغني ملوك ثماني روايات وينتظر صدور اثنتين أيضا .
ميمونة العلي

المزيد...
آخر الأخبار