جمال العمل الروائي يسحرنا ويشدنا إليه بحبل سرِّي قوي وإذا بنا ندخل بوتقة الرواية ونصبح جزءاً منها ولا ننفصل عنها إلا حين ننهي قراءتها ليقطع الراوي الحبل السري ويسلِّمنا لأمنا الحياة من جديد لنكتشف أننا أصبحنا مخلوقاتٍ جديدة، حين يحدث لنا هذا نكون حقاً قد قرأنا عملاً روائياً في منتهى الجمال.
هكذا هي رواية (صدى الأرواح) للأديب الدكتور (عبد الخالق كلاليب)، وهي روايته الثانية.
واقعية سحرية
الانتقال بين الأمكنة الحقيقية في مدينة حمص ومع تسميات الأماكن وترابط الأحداث مع الأماكن والشخوص والحياة المتلاحقة الأحداث المرتبطة بسحر وجاذبية الكتاب السرِّي والذي نسعى مع البطل للوصول إليه وما بين البحث عن الكتاب واكتشاف حقيقته نعيش الرواية بمتعة طاغية وهذا ما جعلني أقول يا للمقاربة الرائعة بين أسلوب (عبد الخالق كلاليب) في صدى الأرواح وأسلوب (غابرييل غارسيا ماركيز).
يجسِّد البطل باللاشعور
يقرأ الراوي مدوَّنات البطل وإذا به يتوحَّد معه روحياً وكأنَّه أصبح الدوبلير في فيلم ليجسِّد اللقطات الصعبة جداً على البطل بل التي يستحيل على البطل تجسيدها فيتحمل عناءها بل ونتائجها الوخيمة والجميلة والحميمة والإنسانية والتفاعلية بكل ما فيها من آلام نفسية وجسدية كذلك يفعل الراوي هنا في صدى الأرواح وحين ينهي شيئاً من محطات مهمته التي تَسَلَّمها بعفوية وقصدية معاً ،يسلِّم القارئ للبطل ليتابع معه بسحر سري رائع ويدخل معه أماكن كثيرة هي جزيئات من المكان الكلي الرئيسي مدينة حمص العديَّة الرائعة الجمال بكل أماكنها.ص 241 هنا الراوي يتحدث(استمعت إلى موسيقا يوهان سيباستيان باخ طيلة المساء)، ص245 هنا بطل الرواية حامد يتحدث(هذا المساء أمضيته بمفردي. عدت فاستمعت إلى المتتاليات الست للتشيللو من تأليف باخ. ساعتان من المتعة الخالصة .)
توليد الزمان ما بين الراوي والبطل
ما بين زمن كتابة مدونات البطل حامد والزمن الذي يقرأ فيه الراوي هذه المدونات هناك زمن فارق والرواية بكليتها تدور عبر هذه الأزمنة الثلاث، وهنا كيفية الانتقال بين الأزمنة يجعلنا نعيش التقلبات النفسية والحياتية لجميع شخوص الرواية المرتبطين بشكل أو بآخر بالبطل وبالسرِّ الخاص الذي يمثل جوهر الرواية. وعبر الأزمنة الثلاث نرى حمص عبر الأماكن التي يتنقل فيها ويعيش فيها الشخوص كافة لتنقل البطل في دمشق في أكثر من محطة من محطات حياته.
الحب بمنتهى الجمال
يصلنا الحب في الرواية بكل التفاصيل دون أي كلمة تخدش إحساس القارئ وهذا يعطي للرواية خصوصية تقديم الحب بمنتهى الرقي عبر حوارات جميلة تدور بين البطل وحبيبته وعبر المونولوج الداخلي للراوي.ص96(لقد قرأت الكثير عن الموسيقار الألماني ريتشارد فاغنر لكي تستطيع أن تتحدث عنه لساعات مع حبيبها).
موسيقى وفكر
يمتزج الفِكر الراقي مع الموسيقى ليشكل فضاء الرواية، حيث تدور الحوارات والمونولوجات متناغمة مع موسيقى فاغنر وباخ وفكر هيغل وشوبنهاور وأفلاطون،
الروح الإنسانية النبيلة
يختتم الراوي بمقولة تمثل دعوة للسلام الداخلي والتسامح لتستمر الحياة بالصورة الأجمل، (الخاتمة: عدت أدراجي على مهل، إلى منزلي وعيادتي وعملي وحياتي. أملك هبة عظيمة، وهي الحياة، وعليَّ الاهتمام بها…هذا فقط ما كان يدور في ذهني الآن.)
إبتسام نصر الصالح