تأتي الرواية من مئتي صفحة تضم عشرين جزءاً معنوناً بحسب تطور علاقة الحب بين سيمازا المحامية الفاشلة في الكذب بعد ثلاث سنوات من ممارسة مهنة المحاماة, وبين كرم الشاعر, مدرس اللغة العربية الذي يحضر رسالة الماجستير ليقبر الفقر كما توضح الأحداث التي تتعلق بهروب سيمازا الأول والثاني منه ,فهي التي تعاني من نُدبة في قلبها تركها حبها الأول لعمر, الذي مات بعد إصابته بالإيدز, إثر بيعه لكليته كي يعالج أمه,لكن يُتوفى عمر بالإيدز تاركاً ندوب حبه في قلب سيمازا, و يوصيها بأن تجد سعادتها مع قلب آخر, وكان مع كرم الذي لاحقها طويلاً حتى تمكن من استحواذ حبها لأنه احترم ذكرى عمر في قلبها مبررة الحب الثاني الذي دهم قلبها , وهي التي حدثته عنه منذ أول لقاء لهما في مقهى الفرح وهو اسم المكان الوحيد المذكور في الرواية مما يجعل المتلقي يكوِّن فكرةَ أن هذه الأحداث قد تقع في أي مكان يعاني من الحرب وسقوط القذائف والموت تحت الأنقاض ,وليس بالضرورة في حمص التي تحوي مقهى باسم مقهى الفرح ,ولكن كرم هذا ذو شخصية مهزوزة فهو يعيش تحت وطأة وسواس قهري اسمه :”عمك مفضل على راسك” كما تقول الرواية فهو يتيم كفله عمه وعليه أن يتزوج من ابنة عمه ليفي جزءا من دينه عليه ,وهذه هي رغبة والدته فيضعف أمام تهديد الوالدة بالغضب ,إذا ما خالف رغبتها وتنكر لمعروف عمه معه ,ويترك سيمازا تعاني من الفقد مرة ثانية و يقرر عدم الارتباط بابنة عمه وهو في المحكمة عندما رأى سيمازا بالصدفة في المحكمة أيضاً فهي محامية وتتواجد هناك بشكل دائم وهنا يعلن العصيان على عمه الذي يصرخ بصوت عال في بهو المكان بينما تجهش ابنته بالبكاء:في الصفحة 128فيقول :”يا حيف.. يا خسارة كل ليرة دفعتها عليك ,والله لو كان فيني لرفعت عليك دعوى سرقة” ثم يعود لسيمازا بعد تقبلها لعذره في تخليه عنها ويزور عائلتها دون التقدم لخطبتها بحجة انتظار خروج أمه من المشفى على الأقل هذا ما تبرره سيمازا لوالدتها لتشرح لها سبب زيارة شاب غريب لهم, وفي اللقاء ما قبل الأخير في مقهى الفرح تكون المفاجأة بأن كرم يخيِّرها بين عملها كمحامية وبين الزواج منه, ثم يترك الكرةَ في ملعبها لتقررَ ما تريد .وينقطع أي تواصل بينهما لمدة ثلاثة أشهر دون أي اتصال, فقد قررت عدم ترك مهنتها التي تحبها كرمى لرجل متردد في قرار الزواج منها ثم تصلها رسالة منه معنونة بـ: رب خير لم تنله كان شراً لو أتاك ” وهي عبارة ملغمة فيها الكثير من المجاهيل مما يجعلها توافق على تحديد اللقاء الأخير بينهما لتفاجأ بكرم وقد أصبح على عكازين بعد أن فقد قدميه بذات قذيفة ولتترك النهاية مفتوحة فهي مخيرة بالرجوع إليه والزواج منه أو بتركه لأنه تركها مرتين وقد عنونت الفصل الأخير من الرواية بالضياع أي أنها صارت ضائعة تماماً بسبب الخيارات القاسية التي يسمح بها زمن الحرب لتنهي روايتها دون اتخاذ قرار على لسان الراوي فتقول في ص201:”السؤال الذي يحيط بنا دائماً:أترانا خسرناهم ؟!أم أضعناهم ؟!والجواب المتعارف عليه كفسحة من اللامبالاة :لا أعرف ,أو لا يهمني الأمر أبداً …”
أتراها كانت تنعيه في قلبها ؟أم أنها تعيش آلام المخاض لحبِّهِما الجديد . أي النهاية مفتوحة وعاد القدر ليضع الكرة في ملعبها من جديد .
الرواية اجتماعية عاطفية تعالج قصة حب فاشلة تصلح لأن تخلد في رواية مثل كل قصص الحب المتعثرة ,و الأحداث السياسية خلفية في روايتها فهي تحكي عن فترة الحرب وما تركته من جراح جسدية ونفسية ستبقى تنز حتى النهاية , فسيمازا تعاني من فوبيا الفقد فقد فقدت شقيقها الأصغر ذي العشر سنوات تحت أنقاض بيتها ومشهد يدها التي كانت تمسك بيد شقيقها لا يفارق مخيلتها خاصة لمّا قذفت بها بعيداً عنها عندما اكتشفت أن يده مفصولة عن جسده تماماً تحت الركام ,وفوبيا فقد كرم حبيبها الثاني مثلما فقدت عمر حبيبها الأول بسبب تبعات الحرب على الحياة الاجتماعية .
لغة الرواية شاعرية بامتياز تعتمد على المقابلة في الألفاظ والطباق كأن تقول في ص 180 :”تمددت على السرير المخضب بدموع قديمة ,تلتحف خيبتها الحديثة …”
لغة الشخصيات متناسبة مع العمل الذي تقوم به, فسيمازا المحامية تقول :نسمح لهم بالحكم علينا بالذكريات الشاقة لفترة أطول”.وكذلك لغة شخصية كرم الشاعر الذي كان يرسل لها القصائد الملغومة بالعشق ولغة أمها وأم كرم التي بدت متناسبة مع المستوى العلمي لهما .
هنات:
هناك بعض الضبابية التي تلحق لغة السرد كما ورد في الصفحة 81في الفقرة المعنونة بشهقة قلب ,كما يلحظ القارئ أن الصدفة الثانية التي جمعت كرم مع سيمازا في الحافلة هي يوم عودتها من المحكمة وقد ربحت القضية ضد من تعتقد أنهم قد تسببوا في موت حبيبها الأول عمر وأنها أصبحت مطمئنة إلى أنها قد أدت واجبها تجاهه ,وهي لم تذكر أبداً أن خصومها في المحكمة هم من قتلة عمر مما يشعر القارئ بان حلقة مفقودة في السرد يعتمد الصدفةَ في تحريك الأحداث .
تلك الهنات لا تفسد للجمال قضية وقد تصدت الكاتبة لتقول رأيها فيما يجري من تبعات للحرب على لسان رواية حب لتغوينا بمتابعة القراءة حتى آخر نقطة حبر من دمها وفي هذا دليل على إمساكها بخيوط الشخصيات وما تؤول إليه الأحداث كما لو أنها ليست التجربة الروائية الأولى وكأنها متمرسة في الكتابة منذ زمن بعيد, وهي رواية جديرة بقلوبنا وليس فقط برفوف مكتبتنا فهنيئاً لها منتجها الأول وكلنا أمل بأن تستمر في لعبة الحب والحبر حتى إشعار آخر ,خاصة وأنها تعد لروايتها الثانية .
ميمونة العلي