قصر الحير الشرقي أيقونة معمارية في الصحراء لا تزال أسراره تغري المنقبين

 يعتبر قصر الحير الشرقي نتاجاً مهما في تاريخ الحضارة المدنية , حيث مزج بين الحجر و الآجر في بناء الجدران , ويقع القصر على بعد حوالي 115 كم شمال شرق مدينة تدمر ..يمكن الوصول إليه بطريق إسفلتي جيد, يمر من مدينة السخنة المعروفة وبلدة الطيبة,كان الخليفة هشام بن عبد الملك مولعا جدا بالحياة في هذا القصر, ويدير منه دفة الحكم في أغلب الأوقات من السنة ,بهذه الكلمات بدأ المهندس عبد المجيد أسعد محاضرته بعنوان « قصر الحير الشرقي» بالمشاركة مع الدكتور نزيه بدور في المركز الثقافي العربي بحمص وبالتعاون بين مديرية الثقافة وجمعية العاديات.
ويضيف المحاضر عبد المجيد أسعد أن هشام بن عبد الملك كان يحنُّ إلى حياة البداوة وممارسة الصيد والبعد عن حياة المدينة حيث كان الخلفاء الأمويون الأوائل يحنون لحياة البداوة , فكانوا يتركون العاصمة دمشق ويذهبون إلى البادية للصيد و لإتقان اللغة العربية , و للبعد عن الحياة المدنية السهلة, و هشام بن عبد الملك كان أكثرهم حباً للإعمار و لإظهار إمكانية الإمبراطورية الأموية المترامية الأطراف في القوة والبناء وكان له هدف دبلوماسي وسياسي وهو كسب ودّ القبائل خصوصا قبيلة «كلب» التي كانت موالية تماما للدولة الأموية وخط أمامي في ثغور البادية للدفاع عن الدولة ضد أي اعتداء. بنى هشام بن عبد الملك الكثير من الصروح في أرجاء البلاد مثل: الرصافة, قصر جبل أسيس ,الحير الغربي, الحير الشرقي. أما كلمة حير فمشتقة من كلمة حيرتا الآرامية وتعني المعسكر أو الحصن ,وقد ذكره الطبري والبلاذري حيث قالا عن هشام إنه بنى قصرين في الصحراء وقد سُمّي أحدهما الزيتونة (الحير الغربي) والثاني هو قصر (الحير الشرقي).ويعتبر مدينة مصغرة بحيث يحتوي على قصرين ومسجد وبستان وحمام وقناة لجر المياه. وقد ظل القصر مستخدما حتى القرن التاسع ميلادي ليتحول في العصر العباسي الى خان على الطريق بين الشام والعراق…
الرحالة الذين مروا بقصر الحير
 منذ القرن السابع عشر: -« بيترو ديلافالا» عام 1616-1625 م . «بليستيد «عام 1750م.  » شارك ميشيل « عام 1751م . – «سير ايركوت» عام 1771 م   – الميجر جون تايلر. – اوليفر1797. – روسو 1808  م قنصل فرنسا في حلب – اوليس موزيل 1912 و«روسو» الذي شاهد اثناء مروره كتابة عربية على لوحة حجرية في عضادة الجامع الكبير.هذا نصها:بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله) أمر بإنشاء  هذه المدينة عبدالله هشام أمير المؤمنين وكان هذا مما عمله أهل حمص على يدي سليمان بن عبيد سنة 110 هجري _ 728 ميلادي , وقد حملها معه الى حلب ولا نعرف عنها شيئا اليوم, إلا أن روسو كان قد رسمها ونشرها غانو عام 1899 ميلادي. وبقي القصر منسياً حتى زاره البير غابرييل عام 1925 وهنري سيريغ 1930م حيث قام بمسح وتصوير جزئي للموقع.
أهم  نتائج رحلات السيد موزيل اعتقاده ان الموقع هو محطة ( ادادا)بين الرصافة وتدمر التي ذكرت على لائحة بوتنجر ونجد الكثير من الكتابات التدمرية والاغريقية تدل على ذلك, كذلك ذكر الموقع السيد سوفاجيه. اعتمادا على وثيقة القنصل روسو ودراسة واجهة القصر الصغير.
 بعثات التنقيب في الموقع
بين المحاضر أن: بعثة أمريكية برئاسة اولينغ غرابار من جامعة ميتشيغان بالاشتراك مع بعثة وطنية برئاسة خالد الاسعد قد نقبت في الموقع في مواسم عام 1966-1972 وأصدرت أعمالها ومكتشفاتها في مجلدين بعنوان (مدينة في الصحراء في العام 1978) وقد أثبتت البعثة خلالها أن القصر من بناء هشام بن عبد الملك ثم استمرت بالتنقيب البعثة الوطنية (خالد الاسعد), حيث قام خالد الأسعد مع وليد الأسعد بأعمال التنقيب والترميم لجدران القصر الكبير والصغير وإعادة أغلب الأعمدة والأبراج خصوصاً أعمدة المسجد ومدخل القصر الصغير حيث تبين أن منطقة القصرين ومنشآتها كانت عبارة عن مدينة مصغرة تحتوي كل مستلزمات الإقامة والعيش الطويل.
وتظهر أطلال الموقع حالياً: القصر الصغير, القصر الكبير, الحمام ,البستان ,القناة.
القصر الصغير
ويضيف الأسعد في محاضرته أن القصر الصغير . بني بأبعاد 70×70م بمداميك من الحجر الكلسي الطري بعرض 2 م وارتفاع الجدار الخارجي 15 مترا. دعمت الجدران بأبراج نصف دائرية للجدران وشبه دائرية في الزوايا تنتهي في الأعلى بقبب إسطوانية من القرميد مزخرفة بأشكال هندسية من الجص كانت غاية في الابداع والاصالة. وللقصر باب في جهة الغرب  و تعلوه كورنيشة تحمل قوسا دائريا وعلى جانبي القوس محرابان وسقاطات ,له فتحة لصب الزيت المغلي والمواد الحارقة على من يحاول اقتحام الباب والدخول الى القصر. بني القصر على شكل بيت تتوسطه فسحة سماوية مبلطة بحجارة منحوتة ومحاطة برواق محمول على أعمدة من الحجر الكلسي القاسي وبعضها من الغرانيت الرمادي اللون يعلوها تيجان ,من المؤكد أنها مشغولة في القرن الثاني الميلادي في فترة ازدهار تدمر ومنقولة للقصر في القرن الثامن الميلادي. يحيط بالباحة غرف واسعة تتوزع بشكل متناظر وبطابقين مشيدة بالحجر والقرميد والجص وسقوف كالمهد المقلوب. ويضيف :أن بإمكان الزائرللقصر  أن يشاهد في الرواق الغربي بقايا الدرج الذي كان يؤدي للطابق العلوي حيث مازال الدرج قائما وفي زواياه الجنوبية والشمالية بقايا الحمامات والمراحيض, ويُشاهد في وسطه خزان للمياه لاستخدامات سكان القصر تدخله المياه من القناة الرئيسية المارة بين القصرين الكبير والصغير ،يقول السيد اوليغ غرابار واصفا القصر الصغير: إن هذا القصر يمكن اعتباره أقدم بناء لتنظيم القوافل في الإسلام وكان مسكنا للخليفة وأسرته أثناء إقامته في المنطقة. وتذكر بعض المصادر ان صقر قريش عبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية في الاندلس كان يقضي كثيرا من الاوقات مع جده هشام في موقع القصر.
القصر الكبير
 ويتابع المحاضر بالقول:يقع القصر الكبير بالقرب من القصر الصغير , بني على شكل يشبه المربع طول ضلعه 170 م من الحجارة الكلسية المنحوتة من موقع قريب من مكان القصر ومازالت أماكن قطع الحجارة موجودة حتى اليوم, قطع حجر كلسي طري,و للقصر الكبير أربعة أبواب في كل ضلع باب كذلك يوجد بابان صغيران على الجدار الشرقي أحدهما لدخول الخليفة للجامع وشيدت الأبواب من الحجر الكلسي القاسي.
ختاماً
انتهت المحاضرة بالتأكيد على أنه مازالت هنالك الكثير من الآثار التي تنتظر جهود  المنقبين لتتحفنا بكل جديد عن تاريخ آثار القصرين.
ميمونة العلي

المزيد...
آخر الأخبار