الأدب الشعبي ظاهرة إبداعية، عالمية، وتاريخية نحظى بها على امتداد الزمان في أصقاع المعمورة كافة, وعند العرب والعجم, قديماً وحديثاً, ولذلك فإنّ خصوصيّة الأدب الشعبي والتقاءَه مع الأدب الفصيح, واستعمالَ لغة بين العاميّة والفصحى عواملُ مشتركةٌ تتضافر لتعكس لنا تاريخ الشعوب وعاداتها, وهي نفسها الأسباب التي حَدَتْ بالدارسين لدراسة التراث الشعبي في العديد من بلدان العالم، للكشف عن ملامح شخصية شعوبها, وعن سلوكها الروحي, واحتياجاتها النفسية, ثم ربط تراث الشعب: حاضره بماضيه.
حول الأدب الشعبي في وادي النضارة في ريف المحافظة الغربي انصبت محاضرة الدكتور جودت إبراهيم بدعوة من مركز ثقافي الناصرة وذلك لأهمية هذا الأدب الذي يكاد يشمل كافة المدن والمناطق السورية وما تزال الأجيال تتناقله جيلاً بعد آخر حيث أصبح جزءا هاما من التراث الإبداعي الذي تتسم به ويرسم لوحة فسيفسائية جميلة هي في النهاية تعطي صورة واضحة عن الشعب السوري بكل أطيافه في المدن والأرياف .
أبرز سمات الأدب الشعبي كما يرى المحاضر هي: الصدق, وجود البطل الشعبي الذي يمثّل شخصيّة إنسانية من صميم الشعب , كما يمتاز الأدب الشعبي بمرونته وقدرته على استيعاب كل ما هو جديد , الواقعية , المحليّة , الفٌكاهة والظرافة , العموميّة: فهو يغطي كل مظاهر الحياة المختلفة. وسوف نستعرض بعض النقاط الهامة التي جاءت في المحاضرة ومنها : في سورية تراكمت تجربة غنيّة من الشعر الشعبي بشكل عام والزجل بشكل خاص، وقد اتسمت هذه التجربة بالعفوية والفطرية في النظم والتأليف، وانتشر هذا الشعر انتشاراً واسعاً في جميع المحافظات السورية، وقد تنوّع وتلوّن بغنىً ثقافي وروحي، فكُتِبَ بلهجاتٍ متعددة، وبأشكال عديدة، وتشكّلت فرق للزجل اعتلت المنابر وحاورت فرقاً أخرى من بلدان شقيقة ولا سيما لبنان، وتأسست جمعية شعراء الزجل في سوريّة منذ عدّة عقود ، وكان لها دور مهم في إغناء هذه التجربة , وكان لشعراء وادي النضارة دورٌ بارز بين هؤلاء الشعراء لا يمكن الاستهانة به نظراً لما قدّموه في هذا المجال على المستويين الفردي والعام , وقد تمكّن الشاعر في عصر الأميّة أو ما يشبه الأميّة شاكر سليمان من تأسيس مجلّة اشتهرت لفترة طويلة من الزمن هي ” مجلّة السلوى” التي احتوت أعدادها كثيراً من أنواع الشعر الشعبي” الزجل بأنواعه والعتابا والميجنا” ذات الموضوعات والأغراض المتعددة، المحليّة، والوطنية، والقوميّة والتي لا تخلو هنا أو هناك من الحكمة اللطيفة، والنكتة الظريفة والمفارقة الجميلة، والنقد المحبب.
وعن أشكال الأدب الشعبي وأجناسه يقول د. إبراهيم : تتعدّد أشكال الأدب الشعبي وأجناسه عموماً، ولكنّنا سوف نتحدّث عن أكثرها انتشاراً في منطقة وادي النضارة، ويأتي على رأسها الزجل بفنونه المتعددة (المعنّى، القرّادي، القصيد، الموشّح، الميجانا، العتابا، والشعر المحكي…) وعرفت المنطقة بقلّة الشروقي والبغدادي، وربّما لارتباطهما لهجة وموسيقا بمنطقة البادية السورية والعراق .
وتحدث عن الشعر المحكي مبينا أنه نوع من الأدب الشعبي, و نوع من الزجل الحديث، إن صحت التسمية، إذا ما قارناه بالشعر الحديث, هو حالةٌ وسط بين الشعر العربي الحديث والزجل, فهو يشبه الشعر الحديث من حيث كونه يشبه شعر التفعيلة, ولا يلتزم بنظام الأشطر والأبيات المعروفة بأنواع الزجل الأخرى, ويشبه الزجل من حيث كونه يُكتب باللهجة العامية المحكيّة غير الفصيحة, ولكنها تقترب أحياناً من الفُصحى, وهذا النوع من الشعر الشعبي كثير الانتشار أيضاً في وادي النضارة بين شعراء الربع الأخير من القرن العشرين، وبدايات القرن الحادي والعشرين.
وعن موضوعات الأدب الشعبي ومناسباته في وادي النضارة أوضح د. ابراهيم أن الأدب الشعبي يشترك مع الأدب الفصيح، أو مع الشعر العربي، في موضوعاته عامة، من مدح ورثاء، وغزل وهجاء، ومن رحلة صيد، إضافة إلى الموضوعات الوطنية والقومية، والذاتية، ويشمل شعر الزجل شعر المناسبات الخاصة في منطقة وادي النضارة: كالأعياد والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية ، وغير ذلك من موضوعات الشعر
وأضاف :يحتضن الوادي مهرجانات الزجل منذ زمن بعيد، وهي تقلُّ وتزيد، تختلف في موضوعاتها وشعرائها ومستوياتها… وخلّد الشعراء في وادي النضارة الشهداء الذين قدّموا أرواحهم للوطن.
العروبة – عبدالحكيم مرزوق