كثر الحديث عن التناص الأدبي أو السرقة كما يفضل البعض تسميته ,خاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي فبات من الطبيعي أن تجد نصك الذي نشرته قبل ساعة منشوراً في بعض الصفحات وقد قام أحدهم بتغيير بعض الكلمات أو التراكيب ونشر نصاً جديداً ابتناه مما كتبت … والحجة جاهزة: التناص مشروع …حاولنا في هذه المادة رصد آراء مجموعة من الحاضرين في المشهد الثقافي وأعددنا هذه المادة حول مشروعية التناص وضرورة فضح لصوص الأدب وتفعيل مفاهيم حماية الملكية الفكرية .
بون شاسع بين السرقة والتناص
يقول الأديب سامر أنور الشمالي : هناك بون شاسع بين التناص والسرقة فالسرقة هي الأخذ من الآخر مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة كتمويه مقصود لتضليل القارىء أما التناص فنستطيع القول إنه ذاكرة جماعية وموروث جمعي فهو ذاكرة الآداب وعند كتابة أي نص معاصر بالتأكيد هناك إفادة واعية أو لا شعورية من تاريخ السرد ,فمن يكتب الآن يفترض أن يكون لديه استفادة من تطور الأساليب وطريقة طرح الأفكار, وهذا ما يسمى تناص مع العلم أن التناص موجود في التراث وليس مفهوماً جديداً فهناك الكثير من النقاد العرب كتبوا عن شعراء أفادوا من بعضهم ومن الموروث ,وإن لم يتم ذكر المصدر فهي تعد سرقة …حتى في النقد من يُشِر إلى مفهوم نقدي معين أو يحكي عن رأي ما دون أن يفتح قوسين ويضع عنوان المصدر الذي نقل منه فهذا يسمى سرقة .ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن التناص كمفهوم كان مجرد رأي نقدي حيث وُجد مثلاً في كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري إنما التناص كمفهوم نقدي أكاديمي بدأ مع تيار البنيوية في النقد وأشهر من تصدى لهذا الموضوع الناقد جوليا كرستيا.
جوقة «فيسبوكية» جاهلة.؟
الشاعر محمد علي خضور له حضوره الشعري المميز على مستوى الوطن العربي وهو صوت شعري حمصي مميز قال: يحتج الكثيرون بأن الوزن والقافية ليستا حكراً على شاعر واحد وهذا صحيح, لكن أن يكون الوزن والقافية والأسلوب والتراكيب اللغوية( قص لصق) بشكل فاضح فهذا الأمر غير مقبول .والأنكى من ذلك أن يتم امتداح من يفعل ذلك من قبل جوقته الفيسبوكية النصف جاهلة بأدنى مقومات الشعر .
هذا التسخيف الذي تقوم به جوقات «المفسبكين» عدو للشاعر المنفوخ بالمنفاخ الأزرق بالدرجة الأولى.وعن تجربته الشخصية مع «السارقين » قال:
شخصيا من شدة كرهي لهذه السرقات الأدبية الغبية صرت أعرض أي بيت شعر أكتبه على «جوجل «و(ابحث في فيسبوك) خوفا من تورطي في تركيب أو بنية لغوية مسبوقة وأتمنى من كل من يجد في أي قصيدة من قصائدي مثل هذا أن ينبهني وأكون له من الشاكرين لأنني سأعلق على أي قصيدة أشم فيها جناية أدبية وسأتعامل معها بطريقة (بدري أبو كلبشا وأنفه الذي لا يخطئ) .وعن سؤالنا عن تعرضه لسرقات خاصة وأنه ينشر أغلب قصائده على صفحته على الفيس وله أكثر من ديوان شعري مطبوع ومسموع قال: نعم هناك الكثير من هذه الممارسات اللاشعرية حيث هناك شعراء يأخذون التراكيب ويضعوها بمفردات أخرى يعني مثلا أنا أقول في إحدى قصائدي : ربيت عمراً يتيماً في ضفائرهم .
يأتي أحد الشعراء ويقول دسست سراً عميقاً في حقائبهم, طبعاً هذا غيض من فيض ولا حل يلوح في الأفق طالما الفضاء الأزرق وفر لهؤلاء المتطفلين إمكانية الاقتباس أو السرقة أو التناص..؟!!
الكتابة فيض قراءة
الناقد محمد الرستم له رأي تفصيلي يقول فيه : قديماً قبل أن يأتي هذا الفضاء الأزرق كانت الثقافة حكرا ً على البعض وكذلك المنابر الثقافية ,ومن يُرِد أن يكتب عليه اقتحام (الشلة) ،ومع ذلك كانت هناك أقلام متألقة وكانت هناك قامات أدبية رفيعة ,الآن الفضاء الأزرق جعل مجال السرقة مشرع الأبواب وكل من يرغب أن يكون مشهوراً بإمكانه أن يسرق ،وعن سؤالنا عن دور النقد في هذا المجال وتعرية القمح من الزيوان قال: ما أقوم به من أعمال نقدية تقوم على البحث عن البياض في النص ولا أبحث عن النصف الفارغ وقد قال لي صديق عزيز :برؤيتك هذه يتساوى تشخوف مع «أبو عبدو السكاب» وأنا لا مانع لدي من هذا الكلام عندما أرى عند «أبو عبدو السكاب» الإشراقات الفنية الجمالية التي ترتحل بروحي إلى فضاءات التألق فلم لا …برأيي المتواضع لا يوجد أديب كبير بل يوجد نص كبير جداً فهل كل قصائد المتنبي على سوية واحدة مثلاً …لا بالطبع إنما سحر المتنبي يجعلنا نقرأ كل ما نتج عنه على أنه ساحر ،والتناص حق مشروع ,يدل على ثقافة الأديب ,والكاتب إن لم يكن له اطلاع على الثقافة فأين له من جديد وقد قرأت رأيا يقول: الكتابة فيض قراءة…والتناص ليس سرقة مثلا قصة قميص يوسف لما فيها من أبعاد إنسانية عميقة تأثر بها الشعراء والكتاب جميعا فمن الطبيعي أن ترد على ألسنتهم ونتاجاتهم وهذا يدل على التشبع بالثقافة .
المعاني مطروحة في الطريق
يعجب الشاعر حسام المقداد من المقتنصين المتناصين فيقول:
أعجب ممّن يستسيغون نصا ويبنون عليه بشيء قد يفوق الأصل ويعقدون اليمين بأنهم ما قرؤوا ما ابتنوا عليه أصلا …
فالتناص أو وقع الحافر على الحافر شيء ، والسرقة شيء آخر. وبينهما فرق.
ومنذ قديم البشروالشعر ,عُدّ التقليد والاستئناس مشروعاً في الأدب وقد فعل ذلك الفحول ، يقول الجاحظ «المعاني مطروحة في الطريق»… وإنَّما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج… فإنَّما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير».
فلا فضل للسابق على اللاحق ، والفضل يكمن في القول الرفيع والنص البليغ.
ثمّ فالإختلاف فن ,والبراعة تظهر فيه برقي العبارة وجودة الصورة وارتفاع الشعرية ، وكذا التخميس والتشطير من فنون الشعر إن لم يخشَ فساد الأصل.
والشعر يتسع للجمال..
رأي
تجمع الآراء السابقة على مشروعية التناص وتجريم السرقة الادبية وضرورة أن يكون هناك دور للنقد في هذا المجال وأن يتم تسجيل النتاجات الفكرية بطريقة تؤدي لحمايتها من السرقة وصون مفاهيم الحماية الفكرية علماً أن هذه المشكلة لم تكن وليدة الظروف الأخيرة التي ألمت بمجتمعنا بل تضاعفت مظاهرها من خلال انتشار مواقع التواصل الاجتماعي
ميمونة العلي – سلوى ديب
المزيد...