إنّ الحرب الطاحنة الّتي تعيشها بلادنا فرضت تغيّرات حادّة وجذريّة على البنى المجتمعيّة بكل مستوياتها وأنتجت انكسارات حادّة على مستوى الذاكرة الفرديّة والجماعيّة وعلى مستوى البنية الطبقيّة والنفسيّة والفكريّة مما يستوجب دخولاً مفتوحاً وجريئاً إلى عالم الأسئلة الحادّة والجادّة قبل الاقتراب من البحث عن أجوبة لأسئلة لم تُطرح بعد، لهذا فإن كان هذا قد حدث سابقاً فقد تمّ بطريقةٍ خاطئةٍ لا تُوازي حجم المأساة المُعاشة على مستوى البنية الإنسانيّة للمجتمع السّوريِّ.
وبالقراءة الدقيقة للتغيّرات الّتي فرضتها الحرب تعكس التحوّلات الحادّة في مسار البنية المجتمعيّة وخاصة /حاملي الثقافة/ الذين سعوا خلال سنوات الحرب على تحويل الناتج الثقافي اللاإرادي إلى فعلٍ إرادي وتالٍ لما يمكن أن نكون…فإذا كان هذا تعريف المثقّف / الخاص/ فإنّ تعريف المثقّف / العام / هو أيّ مواطن ينتمي إلى كتلةٍ تاريخيةٍ معينةٍ؛ بمعنى إنّ أيّ إنسان منخرطٍ في العمليّة الإنتاجيّة أو الاجتماعيّة هو منتجٌ ثقافيٌّ مهما كان مستواه التعليميِّ ولهذا فإذا كان يجب أن يتمّ تحقيق أيَّ تغيير في البنية الفكريّة الثقافيّة للواقع الاجتماعي لا بدّ أن ينطلق َ بعمله من الجواب على هذا السؤال: مَن نحنُ ومَن المكان؟.
إنّ التناقضات الحادّه التي اجتاحت وطننا تحتاج الى وقفة نقدية وأسئلة جادّة تغور في العمق ووقفة طويلة عند المسكوت عنه أو المجهول في الثقافة وعلى مالم يتمّ الانتباه له .
ففي هذا الصراع الدمويّ والحاد وانطلاقاً مما حدث وما كان يحدث على الخارطة الفكرية والثقافية ومايجب أن يكون يفرض علينا نحن ككتّاب وأدباء ومثقفين إنتاج ثقافة جادة وطنية مقاومة تنويريّة ويتطلّب مواجهة استثنائية حاملها مثقفون استثنائيون .
وأولى هذه الأسئلة التي يجب طرحها :
– ماهو دور المثقّف النقديّ والفنان الملتزم في ظلّ الحرب ومانتج عنها في التحوّلات الاجتماعية..؟.
– هل هناك علاقة جدليّة بين الإبداع الأدبيّ والتحوّلات الاجتماعيّة..؟.
– هل يُشكّلُ الإبداع الأدبيّ مصادر ووثائق تاريخيّة لدراسة التّطوّر الاجتماعي..؟.
– هل هناك نقاط التقاء أو اختلاف بين الأديب المبدع والمؤرِّخ الاجتماعيِّ…؟؛ مع العلم إنَّ لكلِّ منهما حقل معيّن وأدوات معرفيّة يستخدمها في إطار منهج متكامل من الدراسات الإنسانية.
– هل لعبت الوثائق الأدبية، مثل رواية « رصاص في حمص القديمة/ للكاتب« عيسى اسماعيل» ورواية/شهيق زفير/ للكاتبة بوران عربش ورواية « التّغريبة السوريّة للكاتب سائر جهاد قاسم – وخاصةً في ظلِّ الحروب- دوراً بالغ الأهميّة في دراسة الواقع، وروح العصر/ الاقتصاد- السكان- الاجتماع- الجغرافيا البشرية- علم النفس الاجتماعي…؟.
والسؤال الأهم هو:
– إذا كانت العلاقة بين الإبداع الأدبي والتاريخ الاجتماعي علاقة جدلية، فلماذا تضاءل الاهتمام بالإنتاج الأدبي كمصدر هامٍّ لدراسة التحوّلات الاجتماعية..؟.
للإجابة عن هذه الأسئلة يتطلّب الغوصَ في المحتوى الاجتماعي للإبداع الأدبي من جهة وفي قدرة ذلك الإبداع على رصد التحوّلات الاجتماعية العامّة والخاصّة التي تتميز بها كل مرحلة من مراحل التاريخ من جهةٍ أخرى.
ومن شروط الإبداع الأدبيّ أن يكون في صلب التحولات الاجتماعيّة؛ فدراسة الأدب بمعزل عن النشاط الاجتماعي المحرّك للتطوّر تفقده الجانب الأساسي فيه وهو الإبداع ويغدو معها كحالةٍ وظيفيّةٍ أو ظاهرةٍ أوتسجيلٍ للواقع وليس مساهمة في إعادة خلقه.
سائر جهاد قاسم
المزيد...