ثمة تساؤلات كثيرة ترسم العديد من إشارات التعجب في الشأن الثقافي، مفادها لماذا تخلو المراكز الثقافية من المثقفين والكتاب والأدباء والباحثين والدارسين ، ولماذا لا نجد في كل هذه المنشآت الحضارية أي اسم لأولئك المبدعين ، وهل غياب تلك القامات الثقافية مقصود ، أم أنه جاء عن غير قصد، أم أن المحسوبيات والواسطات لعبت دوراً في وجود غير المبدعين والمثقفين في تلك المؤسسات الثقافية التي يفترض احتواؤها على عشرات المثقفين في المدن والبلدان والبلدات التي تتواجد فيها المراكز الثقافية .. وبناء على ذلك هل يمكننا القول إن غياب أو تغييب المثقفين والمبدعين في المراكز الثقافية هو احد أسباب التراجع الثقافي خلال السنوات الماضية في الوقت الذي لم تستطع الكثير من إدارات المراكز الثقافية النهوض بالنشاط الثقافي من جهة واستقطاب المثقفين والمبدعين في معظم المحافظات والمدن والبلدات وهذا أيضاً ما انعكس على سوية الجمهور الحضور.
ففي بعض المؤسسات الثقافية كاتحاد الكتاب العرب الذي يضم أعضاء هم شعراء قاصون وباحثون وروائيون نجد حضوراً لافتاً في معظم أنشطته وذلك لأنه يعتمد على أشخاص مبدعين ومعترف بهم من قبل هيئة ثقافية لها مصداقيتها هي اتحاد الكتاب العرب ، كذلك الأمر في بعض الجمعيات التي أثبتت حضورها اللافت في الشأن الثقافي كرابطة الخريجين الجامعيين التي أقامت نشاطات متميزة منها المهرجان الشعري السنوي الذي استقدمت إليه أسماء لامعة من أنحاء الوطن العربي ، حيث لم يعد ذلك النشاط خاص بشعراء سورية بل امتد ليشمل شعراء بارزين من بعض أنحاء الوطن العربي كلبنان ومصر والعراق والأردن وفلسطين والسعودية إضافة إلى إقامة مهرجانات أخرى كمهرجان الشعراء الشباب ومهرجان القصة القصيرة والعديد من الفعاليات التي نأمل أن تعود إلى ألقها في المرحلة القادمة .. هذا النجاح وهذا الحضور الذي نجحت فيه بعض المؤسسات والهيئات الثقافية بحمص لماذا فشلت المراكز الثقافية بإنجازه ، هل يمكن القول إن السبب يعود لوجود المثقفين والأدباء ، إضافة إلى وجود المبادرات والأفكار عند تلك الهيئات .. ترى أين يكمن السبب الحقيقي ولماذا تبدو الجسور مقطوعة مع المثقفين والأدباء الذين هم أساس العمل الثقافي , هل على مديرية الثقافة بحمص التفكير جدياً بهذا الأمر , وهل تمتلك المديرية خطة لتطوير النشاط الثقافي وهل يكون ذلك بالاستعانة بالأفكار والعقول المولدة لهذه الأفكار الثقافية التي تفعل النشاط الثقافي.
وبالتالي ستبقى الأمور على ما هي ولا أمل بشيء متميز يكمل اللوحة الثقافية في حمص التي أطلق عليها المثقفون والأدباء والفنانون الذين كانوا يأتون إليها بأنها عاصمة الثقافة في سورية .
في المشهد الثقافي الحمصي ثمة بعض الأمثلة التي يذكرها المثقفون بتميزها ومنها النشاط الذي كان يقام في المركز الثقافي في القصير الذي أقام عدة أنشطة متميزة من أهمها مهرجان قادش الشعري الذي استقطب أيضاً أسماء هامة من كافة أنحاء سورية .
هل نأمل أن تقوم المراكز الثقافية بإقامة مهرجانات أدبية , شعرية , قصصية أو مسرحية أو فنية متميزة وتستقدم أسماء في الأجناس الأدبية والفنون الأخرى .. هل تضع مديرية الثقافة بحمص خطة لاستقطاب المثقفين والأدباء وتبحث في الأساليب القانونية لتوظيف أو نقل أو ندب المثقفين والأدباء المهتمين بالشأن الثقافي ليكونوا عوناً حقيقياً في تفعيل النشاط الثقافي في المراكز الثقافية الموجودة في كافة المناطق والبلدان والبلدات .
فمن غير المعقول أن تخلو المراكز الثقافية من الأدباء والمثقفين لأن العمل الثقافي بدون المثقفين والأدباء بلا جدوى وآن الأوان للعمل الجاد بإيجاد الصيغ القانونية لاستقطاب من يفعل النشاط الثقافي في تلك المراكز التي تعاني منابرها من الصقيع الشديد والخواء الثقافي بإتاحة المجال للثقافة الحقيقية أن تتربع على تلك المنابر بدلاً من الثقافة التي يسوقها مدعو الثقافة والأدب بنتاجات لا تغني ولا تسمن من جوع، آن الأوان لتغيير المقولة التي كانت تتردد بأن مديريات الثقافة فيها جيوش من الأميين بدلاً من المثقفين الذين يفترض أن يملؤوا تلك المقاعد الفارغة في نشاط المراكز الثقافية التي يبقى قسم كبير منها فارغاً .. المعركة التي شنت على بلدنا كانت معركة إعلامية ثقافية بالدرجة الأولى وآن الأوان لتحصين هذه الثقافة كي يكتمل انتصار سورية ، وهذا لا يحتاج إلا للإرادة والتفكير مجدداً بآليات العمل الثقافي القادمة التي تغير الصورة القاتمة.
عبد الحكيم مرزوق