طالب بعض الشعراء _خلال محاضرة الدكتور وليد العرفي المعنونة ب « السردية في شعر محمود درويش _بتطبيق المفاهيم النقدية على نتاجات الشعراء المعاصرين واهتمام النقاد بتجاربهم,بينما طالب الدكتور قصي الأتاسي بالتمييز بين مرحلتين في شعر محمود درويش … المرحلة التي وُجِد فيها داخل الأرض المحتلة و تجسد فيها شعره غير غامض ينضح بمعاناة الشعب الفلسطيني من ممارسات ظالمة من قبل الاحتلال الاسرائيلي , وبين المرحلة التي خرج فيها من فلسطين.
عنوان القصيدة يشي بمضمونها
وقد بدأت المحاضرة التي أقيمت في قاعة سامي الدروبي في المركز الثقافي بالحديث عن مخزون قصيدة درويش من ثنائيات ضدية حيث اتخذ المحاضر من قصيدة «مأساة النرجس ملهاة الفضة» ساحة لتطبيق المفاهيم النقدية ودراستها من خلال هذه القصيدة ودرس ما فيها من حمولات دلالية توجه المتلقي إلى إمكانية تخيل المناخ العام للنص، إذ يبدو العنوان محفزاً ذهن المتلقي في تخيل الفضاء الشعري الذي يبدو إدهاشياً في علاقاته بما فيه من تضاد يجمع بين نسقي التركيبين الإضافيين اللذين شكّلا البنية الرئيسة للعنوان عبر تمازج وحّد بين الأضداد، و يلجأ الشاعر إلى الجمع بين المتناقضات التي تبعث على التساؤل وتستثير الذهن للتفكير عن تلك الرابطة التي تجمع بين هذه العوالم من حيث اللغة، مدلولات العناصر المكونة لها والدالة عليها، فقد جاء التركيب الأول تركيباً إضافياً مع النرجس، وهو من حيث الحقل الدلالي ينتمي إلى حقل النبات، فيما التركيب الثاني جاء مقترناً بالفضة، وهي تنتمي إلى الحقل الدلالي الخاص بالمعادن الثمينة، والفضة تأتي من حيث القيمة بعد الذهب، فيما تشير لفظتا: مأساة وملهاة إلى نمطين من أنماط الكتابة المسرحية اللذين يمثلان وجهي الحياة المتناقضة بين الحزن والفرح، وكأنما الشاعر أراد من خلال العنوان أن يقدم قصيدته الملحمة وفق هذا البعد لتكون لوحة للحياة بما تحمله من تناقض وصراع بين الحزن والفرح والموت والحياة من خلال بعض العناصر المكونة للطبيعة وهي عناصر: الماء والهواء والتراب والنار التي تستحضر وفق حتمية السبب والمسبب، أو الحاجة والضرورة..
فالنرجس (النبات) يحتاج إلى التراب والماء وفق علاقة السببية، والفضة تستدعي النار والهواء بحكم الضرورة والانتقال من حالة إلى حالة، والمعادن تصهر بالنار وتجفف بالهواء، وهكذا يبدو العنوان مشكاة الشاعر التي ألقت بإشعاعاتها على فضاء النص الذي أراد الشاعر له أن يكون أحد أبرز العناصر الملحمية في هذه القصيدة، وهو ما يتأكد من خلال دلالة حضور الزمن الذي يستهل الشاعر فيه القصيدة ، وهو الزمن الماضي من خلال الفعل (عادوا ) والزمن الماضي حدث انقضى وجودياً ، وما أنهى القصيدة به وهو الفعل: (يرجعون ) الذي يشير إلى الزمن الحاضر، والفعل المضارع يفيد استمرار الحدث في المستقبل، وهو ما حاول الشاعر أن يؤكده من خلال الربط بين الزمن الماضي بداية القصيدة والمضارع في ختامها تأكيداً منه على حياة القضية التي يؤمن بعدالتها واستمرار المقاومة من أجل استعادة ذلك الحق عبر تعاقب النضال المستمر جيلاً بعد جيل.
أنماط البنى السردية في قصيدة درويش
ثم فند المحاضر أنماط البنى السردية في القصيدة، فأشار إلى أن تلك البنى تجلّت في نمطين: هما البنى السردية المتشابهة و المتجاورة،مبيناً أن النوع الأول يقوم على تكرار بنى متشابهة من حيث التراكيب اللغوية، أو الصيغ الاشتقاقية أو الأسلوب التعبيري، يقول محمود درويش: من بنية النداء : ( يا نشيدُ خذِ العناصرَ كلَها) وقد كرر أسلوب النداء ثلاث مرات ، ومن تكرار التركيب الخبري قوله: ( وإنَّ الأرضَ تُورَثُ كاللُّغة )، وقد شكّل تكرار هذا الخبر لأزمةً في النص الشعري في تأكيد من الشاعر على قضية الحق الذي لن يموت، كما فيه تأكيد على أهم العوامل التي تجمع الأمة العربية المتمثلة بـ: وحدة الأرض ووحدة اللغة ، وبذلك يشير الشاعر إلى ثنائية الثبات والتجدد التي توحي بهما وراثة الأرض في إشارةٍ تؤكّد ثبات الشعب الفلسطيني والعربي على مركزية القضية الفلسطينية، مثلما هي مستمرة بتوارثها عبر الأجيال التي تتوارث اللغة من زمان إلى زمان عبر سلسلة الأجيال المتلاحقة المتمسكة بثنائيتي: الأرض الثابتة، واللغة المستمرّة.
عناصر السرد
ثم مضى المحاضر للإشارة إلى تجليات عناصر السرد المتجاورة في نص درويش من خلال:
أوّلاً – حضور السارد الراوي الذي يقوم بدوره الشاعر نفسه بوصفه الراوي والناقل للحدث والمشارك في الفعل الجماعي المقاوم، وقد تبدّى حضور السارد (الشاعر نفسه) من خلال حركة الضمير الدال على الجماعة ( نا)
ثانياً- الشخصيات: تبدو الشخصية الرئيسة في هذه القصيدة شخصية الجماعة التي تعكس انشغال الشاعر بالهم النضالي الذي يعني الشعب العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، وقد جاء التعبير عنها بصيغة الضمير الفاعل، وهو هنا واو الجماعة. ثالثاً ـ المكان ودلالاته في شعر محمود درويش: واءم الشاعر في قصيدته بين حالة ثبات، وأخرى تغير من خلال ثنائية الوطن/ المنفى، والغياب/ الحضور، والذهاب/
– ثالثا العودة تلك العلاقة الضدية التي تعكس الواقع الفلسطيني بكل أبعاده على المستويات السياسية والاجتماعية التي يعبر الشاعر عنها من خلال علاقته بـ: المكان الذي يظهر في النص الأدبي دوره البارز، لأنه يشغل الحيز الأكبر الذي تدور في فلكه الأحداث، وعلى مساحته الجغرافية تنمو عناصر القص كلها، ومن هنا (يتمتع المكان بأهمية استراتيجية وسيميائية في تشكيل الخطاب السردي عبر تداخله مع المكونات السردية الأخرى.
وصرح المحاضر لجريدة العروبة أنه اختار هذه القصيدة بالذات لأنها تلخص مراحل النضال الفلسطيني بالنسبة للشاعر حيث يرفض النرجس أن يتطفل عليه أحد تماما مثل الشعب الفلسطيني فضلا عن كون هذه القصيدة تشكل نقطة تحول في شعر محمود درويش.
ميمونة العلي