الأب في حياة الأسرة … عمادها .. وقدوتها الحسنة

الأب ليس الكيان الاقتصادي أو الاجتماعي أو المعنوي للأسرة وحسب إنه كل ذلك-إنه عمود أي أسرة ، به تستقر وتمتد وتقوى ضد العوامل التي من شأنها تقويض هذه الأسرة
ففي كل المجتمعات الحديثة والقديمة لعب الأب دورا مؤثرا في كيان الأسرة ، ويذهب أحد الباحثين إلى أبعد من ذلك, ويعتبر (ظاهرة السلطة) التي عرفتها جميع المجتمعات منذ بدء الخليقة منبثقة مما سمّاه (التبعية البيولوجية والنفسية والعاطفية) للطفل إزاء الكبار, ولاسيما إزاء الأب. و هذه التبعية – إذا ظلت في الحدود المعقولة – ضرورية لكل من الأطفال والآباء على حد سواء.

ولعل الوظيفة الرئيسية للأب, بالإضافة إلى توفيره للحاجات المادية للأسرة, أنه يتيح للأبناء الاقتداء به, الأمر الذي يعتبر حيويا بالنسبة لتكوين شخصيتهم ولتوازنهم النفسي, لاسيما في المرحلة الأولى من طفولتهم. فالطفل يكوّن صورته عن ذاته من خلال تعامل أسرته معه, لاسيما تعامل الأب الذي يشكل بالنسبة إلى الطفل نموذجًا يحاول دائمًا التباهي به والاقتداء بما يصدر عنه من أفعال. وتقليد الطفل لوالده, في حركاته وأقواله وأفعاله, ظاهرة تعرفها مختلف الأسر, الأمر الذي يعكس حاجة الطفل إلى الأب كنموذج لسلوك يحاول أن يتمثله ويتعود على القيام به. ومن هذه الناحية, فإن ما يلاحظه الطفل من سلوك والديه, لاسيما سلوك الأب, يلعب دورًا مهمًا في تكوين شخصيته وفي توازنه النفسي, أكثر من الدور الذي يمكن أن تلعبه النصائح والإرشادات التي يسمعها الطفل من والديه, أو من معلميه أو من أي مصدر آخر. ولا يمكن لأي شخص آخر, سواء كان الأم أو الأخ الأكبر أو أحد الأقارب, أن يقوم بالوظيفة نفسها التي يقوم بها الأب, فحتى الأم, مهما بلغت من قوة الشخصية ومن القوة الاقتصادية, لا يمكنها أن تكون أمًا وأبًا في آن معًا.
ولذلك لابد أن نعترف بمدى الخطورة الكبيرة التي تتولد عن غياب الأب والتي تنعكس سلبيا على ثلاثة أشخاص بالتحديد وهم الأم والطفل والابنة
أمهات يدفعن الثمن !!
إن غياب الوالد عن عائلته لفتراتٍ طويلة قد تمتد سنوات فيها كثيرٌ من الخطورة، فالوالدة مهما أوتيت من القوة والصرامة لا تستطيع أن تقود الأسرة كما يفعل الأب، وقد خُلق كلٌ لوظيفته المحددة والتي تختص بنوع معُين من السلوكيات المعروفة بالنسبة للأب وكذلك للأم
إن الأب, يعتبر بالنسبة للطفل مصدرا للأمن والحماية. ومما لاشك فيه أن غيابه المادي أو المعنوي يحدث اضطرابا في حياة الطفل. ويتجلى ذلك في مشاعر الخوف والقلق التي تنتاب الطفل بين الحين والآخر, لاسيما أثناء النوم, أو على شكل أعراض (نفسية – جسدية) أو على شكل تغير مفاجئ في السلوك لم يكن معروفًا قبل غياب الأب. وكثيرًا ما تكون هذه الأعراض النفسية والسلوكية بمنزلة خطاب لاشعوري موجه للأب إذا كان لا يزال على قيد الحياة, أو موجه للآخرين للاهتمام بما يعانيه الطفل نتيجة غياب الأب.
وتخطئ الأم عندما تعتقد أن بإمكانها أن تلعب دور الأب والأم معًا, وتتوهّم أن إغداقها على طفلها واستجابتها لجميع ما يطلبه سيكون تعويضًا له عن الأب, بل إن حاجته إلى الأب, بما يرمز إليه الأب من مشاعر الأمن والعطف والحماية…, تفوق حاجته إلى الطعام واللباس.
ويتحدث العالم الأمريكي (بتلهايم), استنادًا إلى حالات قام بعلاجها, عن اضطرابات نفسية تظهر على الأطفال الذين يعانون من غياب الأب في حياتهم، وقد يستمر تأثير هذا الغياب للأب إلى ما بعد الطفولة, وربما يستمر مدى الحياة. فالابن, عندما يكبر, قد يصعب عليه أن يقوم بدور الأب أحسن قيام, إذا حرم في طفولته من الأب. وكذلك البنت, فإنها قد تنتظر من زوجها أن يقوم بدور الأب الذي حرمت منه. وأحيانا تعبر عن ذلك بميلها إلى الزواج من رجل متقدم في السن بديلا عن الأب الذي حرمت من عطفه وحنانه في طفولتها.
أمهات…ولا آباء
تتكرر في مجتمعاتنا حال الأطفال الذين اضطرتهم الظروف إلى أن يعيشوا مع أمهاتهم بعيدين عن آبائهم. وفي حال الطلاق أو الهجر غالبًا ما تحاول الأم إلقاء اللوم على الأب على مرأى ومسمع من الطفل, بل قد تحاول تشويه صورة الأب في نظر الطفل بأن تصفه بصفات سلبية, وتنسى الزوجة في هذه الحال أن مَن تشوّه صورته في نظر الطفل كان زوجها, كما تنسى أن الصورة المشوّهة التي تقدمها عن الأب تتعارض مع الصورة التي كانت تقدمها عن الأب قبل الطلاق..
وتذهب بعض الأمهات إلى أبعد من تشويه صورة الأب المطلّق, وتحاول تحريض الابن ضد والده مستخدمة وسائل لا أخلاقية رغبة منها في الانتقام من الأب. إن سلوكًا من هذا النوع من جانب الأم يسيء بالدرجة الأولى إلى الابن الذي سيكون أبا في المستقبل, وكذلك إلى البنت التي ستكون أمًا في المستقبل. والأم غير الواعية, التي تعيش هذه الوضعية, ترتكب خطأ فادحًا في حق أبنائها عندما تحاول تشويه صورة والدهم ، التي يجب أن تظل في مخيلة الابن مقرونة بكل ما هو إيجابي. بل أكثر من ذلك لا يقبل من الابن أن يحاول الإساءة إلى والده لإرضاء الأم, وأحيانًا كمحاولة يلجأ إليها الابن طمعًا في أن تستجيب الأم لجميع مطالبه. وعلى الأم المطلقة تشجيع هؤلاء الأبناء على أن يظلوا على صلة بوالدهم.
كل فتاةٍ بأبيها مُعجبة…
عادةً الفتيات يتعلقن بآبائهن أكثر من الأولاد ولذلك يقول العرب كل فتاةٍ بأبيها مُعجبة. حتى في التحليل النفسي فإن الفتاة دائماً مُتعلّقة بأبيها، وكذلك فإن الأب يكون أكثر حناناً ورقةً مع بناته أكثر من أولاده، فالفتاة تفتقد والدها أكثر مما يفتقده الابن، وهذا أمرٌ ملاحظ في غياب الوالد بالسفر، فتجد بأن الابنة تنتظر عودة أباها بشعورٍ أكثر شغفاً وفقداً لغيبة الوالد. وتشعر بأن وجود والدها طمأنينة نفسية لها، وتفرح بقدومه أكثر مما يفرح الابن.
تعّلقها بوالدها وحبها له مميز
رغم قرُب الفتاة من أمها في كثير من السلوكيات، لكن يظل تعّلقها بوالدها وحبها له مميزاً، وتشعر بأن أباها هو أثمن ما تملك في حياتها،لذلك فإنه إذا حدثت مشكلة فإن الابنة تلجأ إلى أبيها وليس لإخوتها، لأنها تعلم بأن أباها سوف يكون عطوفاً عليها ويقف إلى جانبها حتى ولو كانت مُخطئة فإن تعامله مع هذا الخطأ قد يكون أكثر رقةً من الإخوة، لذلك فإن الفتاة تعتبر أباها حامياً ودرعاً لها في الحياة، ولكن بالطبع لكل قاعدةٍ شواذ، فهناك آباء يكرهون البنات لظروف نفسية واجتماعية مُعينة، ولكن السائد هو ميل الأب إلى حب الإبنة وتفضيلها في كثير من الأمور على إخوتها الذكور، نظراً لأنه ينظر لها من زاوية بأنها رقيقة ويحُبذ التعامل معها بالرقة والحنان .
اضطرابات قلق
إن عدم اكتراث الأب بتواجده مع أبنائه وبناته بشكلٍ متواصل فيه كثيرٌ من الإجحاف بحقوقهم، ومهما كانت الأعذار فإن ذلك لا يُبرر غياب الآباء لفتراتٍ طويلة عن زوجاتهم وبناتهم وأبنائهم. إن الأبوة ليست أن يُنجب الرجل أطفالاً، بنين وبنات ثم يترك تربيتهم للأم لوحدها أو للمربيات أو لأي شخص آخر، فإن مكانة الأب في الأسرة لا يمكن تعويضها مهما كان الشخص الذي يحاول أن يحل محل الأب أن يقوم بهذا الدور فإنه لن يستطيع أن يقوم بدور الأب.

المزيد...
آخر الأخبار