كثر كتاب المقالة في عصرنا واستسهلها من يهرفون بما لا يعرفون وصار كل من خط بضعة أسطر على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي يقول : كتبت مقالة أنا -كاتب مقالة -!! وكثيرة هي المقالات المزعومة التي يصدق عليها قول المصريين : ( سمك ، لبن ، تمر هندي ) ولذلك سأوضح بعض الأمور المتعلقة بالمقالة .
فالمقالة مستمدة من مادة – قول – وترتبط بالسياقات العربية القديمة بما يقال أو بما يدلو به اللسان وفي القاموس المحيط : المقالة . القول . وتتداخل في لسان العرب لابن منظور مع اشتقاقات أخرى : قال يقول قولاً وقيلا ومقالاً ومقالة .
ولقد اختلفت الآراء في تعريف المقالة فليس هناك اتفاق نهائي تام ومحدد يشير الى تعريف محكم لمعنى – المقالة –ويعود ذلك الى تعدد أنواع المقالات وتنوع مجالاتها وأساليبها وكيفية بنائها ومن ثم اختلاف الذائقة الجمالية .
فالمقالة من حيث هي فن متغير الحدود على ما فيه من ثوابت ويمكن أن يتغير تعريفها أو يتم تعديله . ويمكن القول : إن المقالة فن أدبي . وفي التعريف تحديد تتأبى عليه الفنون الأدبية . وقد وصفت المقالة بأنها من الأشكال الأدبية المفتوحة ، ومن تعاريف المقالة مايشير إليه – موري – في قاموسه إلى أن المقالة : قطعة إنشائية ذات طول معتدل تدور حول موضوع معين أو جزء منه . ويعرفها – ادموندجوس –في بحث منشور في دائرة المعارف البريطانية بأنها فن من فنون الأدب وهي قطعة إنشائية ذات طول معتدل تكتب نثراً ً وتلم بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلة سريعة ولا تعنى إلا بالناحية التي تمس الكاتب عن قرب . وفي قاموس أكسفورد الشهير . المقالة : تأليف متوسط الطول حول موضوع خاص أو فرع من فروع الموضوع أو قطعة غير منتظمة محدودة المدى .
فالقاسم المشترك إذاً في تعريف المقالة : الطول المتوسط والنثر والسهولة والسرعة والارتباط ببعد ذاتي متعلق بالتعبير عن عالم كاتبها أو رأيه الخاص .
ومن الإرهاصات البعيدة للمقالة تلك الإشارات التي التقطها الدكتور محمد يوسف نجم من التاريخ القديم ومنها : جوامع الكلم ، أمثال الأمم وحكمها الشعبية أسفار العهد القديم وخاصة أسفار الحكمة وهي : الأمثال ، الجامعة ، سفر يشوع بن سيراخ . والإشارات في الأقوال التي تنسب الى – كونفوشيوس حوالي خمسمئة عام قبل الميلاد . وفي الحضارة المصرية القديمة وثيقة تدل على أن مصر عرفت لوناً من ألوان الصحافة منذ سبعة وثلاثين قرناً ، حيث كانت هناك جريدة رسمية تنطق بلسان الحكومة وكانت تتضمن بعض المقالات اغلبها كتبه الوزير – رخمارا- اما في التراث الإغريقي واللاتيني والعربي فالحديث يطول وله فسحة أخرى .
د. غسان لافي طعمة
المزيد...