زرقاء اليمامة … وعلم الباراسيكولوجيا

تعني الباراسيكولوجيا حرفياً ( علم ما وراء النفس ) وهو العلم الذي يبحث في الظواهر الطبيعية الخارقة ، ويحاول أن يجد تفسيراً علمياً لها ويمكن تسميته علم نفس الخوارق .
إنّ الذي يجمع هذا العلم بزرقاء اليمامة هو حدّة بصرها الخارقة غير المألوفة … وقد يكون إحساسها الخارق هو إحدى حالات الإدراك الحسي الفائق التي سيتم الحديث عنها بعد التعرف على قصة زرقاء اليمامة .
تشير المصادر إلى أنها من قبيلة جديس التي كانت تجاور قبيلة طسم في اليمامة في شبه الجزيرة العربية ؛ والقبيلتان من العرب العاربة ،ووفق رواية البلاذري : ( فقد كانت بين طسم وجديس حروب أفنت فيها جديس أكثر طسم ،ثمّ إن بقية من طسم انضمت إلى جديس باليمامة ،وسارت الأمور هادئة حتى تملكهم عمليق ( عملوق ) من طسم ،استطاع بجبروته أن يذيق جديساً الذلّ ،حتى بلغ من ظلمه أنّه أمر بألّا تزفّ فتاة بكر من جديس إلى زوجها حتى تدخل عليه أولاً ،وقد انصاعت جديس لهذا الخسف ،حتى وقع الأمر مع واحدة من جديس تسمى (عفيرة بنت غفار) ،التي هالها الأمر وضجّت لما حدث فاستثارت قومها لرفض هذا الهوان .. ولها في ذلك أبيات شعر مشهورة ،وكان لعفيرة أخ يسمى الأسود بن غفار سيد في قومه ،هبّ معها داعياً قومه للثأر من هذا الرجل الظالم ،والتحرر من هذا الأسر ،فاستجابوا له ،وقال أخوها : إنّي صانع للرجل طعاماً ،فإذا جاؤوا نهضنا إليهم بأسيافنا ،وانفردت به فقتلته ،أجهز كلّ رجل منكم على جليسه . فأجابوه إلى ذلك وجمع رأيهم عليه ،وبالفعل حضر الرجل فقتل وقتل الرؤساء ثمّ شدوا على العامة منهم فأفنوهم ،ولم ينج منهم سوى رجل يقال له رياح بن مرة فذهب إلى حسان بن تبع- وهو بنجران – فاستغاث به فخرج حسان ومعه قوم حمير ،و قال له رياح : أبيت اللعن ، إنّ لي أختاً متزوجة في جديس يقال لها « اليمامة » ليس على وجه الأرض أبصر منها ،إنها لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث ،وإني أخاف أن تنذر القوم بك،فمر أصحابك فليقطع كل رجل شجرة فليجعلها أمامه ويسير وهي في يده فأمرهم حسان بذلك ففعلوا ،ثمّ ساروا فنظرت اليمامة فأبصرتهم فقالت لجديس : لقد سارت حمير ،فقالوا : وما الذي ترين ؟ قالت : أرى رجلا في شجرة معه كتف يتعرقها أو نعل يخصفها . فكذبوها ،وكان الأمر كما قالت وصبّحهم حسان فأبادهم وخرّب بلادهم وهدم دورهم وحصونهم.وتذكر المصادر أنها كانت ترى من مسافة ثلاثين ميلاً ،والميل عند الجغرافيين العرب كما جاء في معجم المصطلحات الجغرافية يساوي 1973,2 متر ، أي أنه يقارب الكيلو مترين ،ومعنى هذا أنّ الزرقاء ( وسميت به للون عينيها ) كانت ترى من على بعد يقدّر بتسعة وخمسين كيلومتراً.وبالعودة إلى الباراسيكولوجيا فإنّ العلماء يصنّفون الظواهر الخارقة إلى صنفين رئيسيين هما : التحريك الخارق ،والإدراك الحسي الفائق ، الذي يعني القدرة على اكتساب معلومات عن حادثة بعيدة أو جسم بعيد من غير تدخّل أية حاسة من الحواس والقدرة على رؤية الأشياء والناس والحوادث خارج نطاق البصر فالاستشعار هو تجاوز لحاجز المكان أي ما وراء الحواجز والجدران أو على بعد مئات الأميال وربما على بعد نصف الكرة الأرضية . وهنا تغدو قصة زرقاء اليمامة شيئاً محتملا جداً أو منطقياً لأنها ربما كانت ترى الأشياء بقوة الاستبصار وليس من خلال العين وأعصاب الشبكية وبالأضواء والظلال التي ينقله الجهاز العصبي .
إنّ الظواهر الخارقة هي ظواهر استثنائية تختلف عن الظواهر الطبيعية ،على الأقل لكونها ظواهر نادرة وغير مألوفة ،إلا أن هذا المظهر بالذات هو الذي يجعل منها ظواهر ذات قيمة للعلوم المختلفة ،إذ إنّ من يتتبع تاريخ العلوم ومراحل تطورها يلاحظ أنّ المعارف العلمية المختلفة كثيراً ما تطورت لدراسة ظواهر نادرة وغير مألوفة لاحظها العلماء مصادفةً .
مأمون الشامي

المزيد...
آخر الأخبار