نواجه ظاهرة منتشرة بكثرة في مجتمعاتنا العربية وهي ظاهرة زواج القاصرات، و هو زواج رسمي أو غير رسمي للأطفال دون سن البلوغ( 18عام) ،حيث تعتبر الفتاة في هذه السن طفلة تحتاج إلى الرعاية ،والحنان، والتعليم، والاهتمام بصحتها النفسية، والجسدية حتى يشتد عودها، وتقوى شخصيتها ،وتتسلح بالعلم لتستطيع بعدها مواجهة الحياة بكل ما فيها من صعوبات، والتزامات وتعب وشقاء …فكيف يتم تزويجها بهذه السن الصغيرة؟ وهي كغصن طري يميل حيث تأخذه الريح غير قادر على مواجهة الرياح العاتية والعواصف ما لم يقو ويشتد …إنها في هذه السن بحاجة إلى قوة أبيها لتسندها ،وحنان أمها لتمنحها الأمان والاطمئنان
المحرك الرئيسي لزواج الأطفال يكمن في الفقر، فيلجأ الأهل إلى تزويج ابنتهم ليتخلصوا من أعبائها المادية، وطمعاً بثمن العروس ، والمهر ناسين ، وضاربين بعرض الحائط أنهم بذلك سيفقدون احترامهم، وهيبتهم أمام العريس الذي باعوا ابنته له ،والذي سيتخلى عنها في أول فرصة، وتحت أي ذريعة ، فتعود إليهم مطلقة ، ومعها أطفالها.. مريضة.. مسكينة ..لا حول لها، ولا قوة ، فبدل أن يكونوا قد استراحوا من أعبائها المادية بتزويجها تعود إليهم حاملة لهم همها ،و أعباء تربية أطفالها..
كما أن الأمية ،والخوف من العنوسة ، وعدم تقبل عمل المرأة تشكل أيضا أسبابا لزواج القاصرات فواحدة من أصل ثلاث فتيات في المناطق النامية من العالم تزوجت قبل سن البلوغ ،وأحد أكثر أسباب الوفاة شيوعا للفتيات الصغيرات هو الحمل والولادة .
ذات مرة قابلت إحدى الفتيات، وعمرها لا يتجاوز السادسة عشرة ، وقد كانت حاملاً بالشهر الخامس ومطلقة أيضاً .. حزنت عليها كثيراً ، ولا سيما عندما وجدت دموعها تتلألأ في مقلتيها بحرقة ، وندم منقطع النظير …عندما سألتها عن سبب زواجها المبكر أجابتني بأنها هي التي أرادت التخلص من فقر الأسرة ، وتسلط الأخ ظناً منها أن العريس الذي يكبرها بأكثر من عشرين عاما سوف يؤمن لها الاستقرار ، والراحة ، والهناء ، والحرية ، والرعاية ، فاندفعت إلى ذلك الزواج بإرادتها فكانت النتيجة صادمة ، ومعاكسة تماما لكل أحلامها ، فقد أرادها خادمة في البيت تلبي طلباته دون عصيان ، وفي أول اعتراض منها على وضعها المأساوي رمى عليها يمين الطلاق دون أدنى رادع ، أو ضمير كيف لا ؟ وقد اشتراها بماله ، ويمكنه أن يشتري غيرها حين يشاء بعد أن ذبلت ورودها ، ونحل جسمها..
إن زواج الفتيات القاصرات له عواقب وخيمة لأن الفتاة لا تكون قد نمت فكرياً، ولا عقلياً ،ولا جسديا ،فكيف تكون مسؤولة عن أسرة بأكملها؟ وهي في الوقت من المفترض أن يكون الوالدان مسؤولين عنها تماما ، إضافة للأضرار الاجتماعية المتمثلة بابتعاد الفتاة عن التعليم ،وتعرضها للعنف الجسدي ، والتوتر النفسي والاكتئاب ، وحرمانها حريتها في اختيار شريك حياتها..
إن القانون يجرم توثيق عقد الزواج قبل السن القانونية وهي 18عاما ، وبالرغم من ذلك يقوم رب الأسرة بذلك دون خوف عليها من مخاطر جسيمة ،فكيف لمأذون أن يوثق عقد قران لفتاة لم تبلغ السن القانونية؟؟
زواج القاصرات جريمة يعاقب عليها القانون ،فملاحقة الموثقين لتزويج القاصرات في مصر مؤخرا كشفت عن إتمام مئات الزيجات ، وعوقب مأذونان بالسجن لمدة عامين مع غرامة ألف جنيه مصري ، بالإضافة لمحاكمة الآخرين ، وفي سورية صدر مؤخرا بتاريخ 10-6-2018 تعديلات قانون العقوبات بشأن زواج القاصرات حيث تصبح على الشكل التالي:
يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر ،وبالغرامة المالية من خمسين ألفا إلى مئة ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر بكر خارج المحكمة المختصة دون موافقة من له الولاية على القاصر
يعاقب بالغرامة من خمسة وعشرين ألفا إلى خمسين ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة إذا تم عقد الزواج بموافقة الولي
فهل هذه العقوبات رادعة ؟؟؟
إنها غير رادعة باعتقادي،فيجب أن تكون العقوبة بحجم الضرر الجسيم الذي سينعكس على الأسرة ، وعلى المجتمع بأكمله، وعلى البلد ،وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار ونصب أعيننا دور المرأة الكبير في المجتمع ، فالمرأة هي التي تربي الأجيال وتصنع الرجال فبقدر ما تكون المرأة سليمة صحياً، وعقلياً ،وجسدياً ،ونفسياً ، فسيكون أبناء الوطن معافين قادرين على الرقي ،والتطوير ،فينشأ مجتمع ..صحيح ..سليم.. قادر على البناء ،والعطاء .
لذا يجب رفع مستوى العقوبة وتشديدها ، كالحكم بالسجن على والد الفتاة لعدة سنوات مع الأشغال الشاقة، ودفع غرامات مالية لتكون رادعا لكل أب تسول له نفسه تزويج ابنته القاصر.. كما يجب عقد الندوات ، والاجتماعات ،وحلقات التوعية ، ودعوة الأهالي لها ،وتوعيتهم بالخطر الذي يحدق بابنتهم ، وبهم ، وبالمجتمع من جراء تزويج بناتهم بسن مبكرة .
وتعتبر المدارس أكبر مرجع ، وأفضل واعظ للفتيات لذلك من الممكن تخصيص حصة مدرسية بين حين ، وآخر يتم فيها توعية الفتيات، وتنوير عقولهن ،وتوجيهن نحو العلم ،والإبداع، والثقافة لأنها السلاح الذي يواجهن به مشكلات الحياة ؟وتنويرهن بأن الزواج في سن مبكرة ليس حلما ورديا كما يظنن ،بل إنه عكس ذلك تماما.. إنه مسؤولية كبيرة وأسرة وأطفال وهن لسن قادرات، ومؤهلات لها في هذه السن كما أنها جريمة بحق أنفسهن..
إذا تكاتفنا جميعنا دولة وأسرة ،وآباء ،وأمهات ،وأعضاء وأفراداً نحو رفض زواج القاصرات ،وتوعية بعضنا البعض.. نكون قد ساهمنا بدرء الخطر، وببناء مجتمع واع سليم معافى قد أنشأته أمهات سليمات قويات نفسياً ،وجسدياً مسلحات ، بالعلم، والمعرفة، والإرادة القوية الحرة..
منى نعيم الريس