يبدو الحديث عن الدروس الخصوصية في المرحلة الجامعية موضوعاً دسماً يستحق التناول والبحث من جديد لأنه يحمل بين طياته الكثير من التفاصيل الهامة التي ينبغي التوقف عندها والبحث فيها وأسبابها ونتائجها التي تنعكس سلباً على مستقبل الطلبة في هذه المرحلة المهمة من حياة أبنائنا الطلاب حيث يجدون أنفسهم أمام بعض المحاضرات التي تبدو عصيّة على الفهم بسبب أسلوب بعض الدكاترة الذين يقومون بإعطائها وهذا بالطبع أحد أهم الأسباب التي تدفع الطلاب للبحث عمن يعطيهم الدروس الخصوصية حتى يفهموا ما يعطى وأعتقد أن هناك نسبة كبيرة من أولئك الطلاب في الجامعات السورية يقعون ضحية أولئك الدكاترة الذين لا يهمهم مستقبل الطلاب بقدر ما تهمهم مصلحتهم الشخصية وهذا ما يفسر نسب النجاح المتدنية في بعض الكليات العلمية وحتى النظرية حيث بلغت نسبة النجاح في بعض الكليات أقل من عشرة بالمائة وهي نسبة ضعيفة مما حدا بإدارة بعض الكليات إلى رفع تلك النسبة إلى عشرين أو ست وعشرين بالمائة.
مسألة الدروس الخصوصية وطريقة علاجها لم تكن في صالح الطلاب في جامعة البعث فقد سمعنا مؤخراً أن رئاسة الجامعة قد أحالت أربعة أساتذة معينين كأعضاء هيئة فنية في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية إلى مجلس التأديب لقيامهم بإعطاء الطلاب دروساً خصوصية خارج الجامعة بعد ما تمت إحالتهم إلى الرقابة الداخلية والتحقيق معهم أصولاً ، وهذا يعني أن رئاسة الجامعة لم تعالج المشكلة من جذورها فقد عاقبت من يقومون بإعطاء الدروس الخصوصية ولم تقم بالتحقيق مع من هم سبب المشكلة وهم أساتذة المواد المختصون الذين يقومون بإعطاء المحاضرات ولا يفهم الطلبة منهم أي شيء .. أي أن المعالجة كانت من رئاسة الجامعة قاصرة عن حل المشكلة من أساسها فلماذا مثلاً والسؤال هنا مشروع ، لماذا لم تقم رئاسة الجامعة بالتحقيق مع المدرسين المسؤولين عن سبب تدني نسب النجاح في تلك المقررات ولماذا لم تبحث بأسباب عدم تقديم الشرح الكافي من قبل أولئك الدكاترة حتى لا يلجأ الطلاب للدروس الخصوصية ، ولماذا لم تبحث في أسباب الأسئلة التعجيزية التي وضعها بعض الدكاترة وهل كانت سببا ليستفيدوا من تعويضات التصحيح أم من أشياء أخرى تكمن خلف هذه المشكلة ؟
وإذا كانت اللوائح التي تنظم العملية التدريسية الجامعية تعاقب من يعطي الدروس الخصوصية حتى يفهم الطلاب فإن هذه اللوائح تبدو غير عادلة وليست في صالح الطلاب ، وأعتقد أن على رئاسة الجامعة أن تشكر الجهود التي تبذل من أجل أن يكون الطلبة مستوعبين ما يعطى لهم داخل قاعات المحاضرات وليس أن تعاقب من يقوم بتقديم تلك المعلومات حتى لو كان ذلك عبر الدروس الخصوصية سداً لثغرة تركها بعض الدكاترة المهملين في عملهم التدريسي داخل الجامعة , والتي يفترض من رئاسة الجامعة أن تعاقب أولئك المهملين والمقصرين في أداء واجبهم العلمي .
في حيثيات القرار الذي اتخذته رئاسة الجامعة أن الأساتذة الذين يعطون الدروس الخصوصية استغلوا وجودهم في الكلية والمخبر والمقررات العلمية بالإعلان عن دورات ودروس ، وأعتقد أن على رئاسة الجامعة أن تكون قد بحثت بشكل جدي أسباب تلك المشكلة فهؤلاء الذين ذكرتهم من المعيدين المتواجدين في الكليات والذين يقدمون ما بوسعهم لتقديم ما من شأنه أن يسهل فهم بعض المواد والمقررات في تلك الكليات في الوقت الذي تركت الدكاترة المعنيين بالأمر خارج إطار المساءلة والمحاسبة فهل قامت رئاسة الجامعة بسؤال أحد الدكاترة عن سبب وضع الأسئلة التعجيزية ؟ وهل قامت مثلاً بالسؤال عن سبب تدني نسب النجاح في بعض الكليات ؟ وهل طالبت أولئك الدكاترة بتقديم سلم تصحيح واضح لا لبس فيه ونشرته في الكليات دون أن تترك الأمور على عواهنها وعلى مزاجية بعض الدكاترة ؟!! .
كنت أتمنى من رئاسة الجامعة أن تعالج هذه المشكلة بالبحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة فحين يقوم الدكتور بالشرح الكافي وبوضوح تام وبوضع أسئلة تختبر ذكاء وفهم الطالب فمثل هذا الدكتور ترفع له القبعة وهو بذلك يكون قد قام بدور بناء في رفع مستوى التعليم أما من يقوم بوضع أسئلة تعجيزية ولا يقوم بالشرح والتوضيح وتقديم المعلومات الكافية للطلاب فهذا دوره غير بناء وأعتقد أن على رئاسة الجامعة أن تحاسبه وتستبعده من العملية التدريسية في الجامعة لأن الجامعة منبر وصرح كبير وهام من صروح العلم والحضارة ومركز إشعاع في المجتمع لا يجب أن يشوهه أمثال أولئك الذين لا يقومون بدورهم في أهم صرح علمي تدفع الدولة عليه مليارات الليرات السورية حتى يتخرج من هذا الصرح المهندسون والأطباء والأكاديميون في كافة الاختصاصات التي تقوم بدور بناء في سورية الحديثة سورية التي نحبها جميعاً , ولذلك يجب أن يكون هؤلاء الخريجون متسلحين بالعلم لا بمزاجية بعض الدكاترة ونسبهم المتدنية التي لا تعكس المستوى الحقيقي لطلبتنا الذين لم يدخلوا تلك الكليات إلا بجهودهم وعلاماتهم المشرفة التي سهروا الليالي حتى يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع الذي يرتقي بجهود أبنائه المخلصين .
عبد الحكيم مرزوق