يُعيد كتاب الباحث الدكتور: هايل الطالب الموسوم بـ : ( الاستعارة المتوحشة ) دراسة الجمالية البلاغية لمصطلح الاستعارة من وجهة نظر متفردة حاولت أن تؤسس لمفهوم الاستعارة دلالة تتساوق والعنوان المطروح من خلال اقتران الصفة المتوحشة بالاستعارة ، وهو تركيب يبعث على التساؤل في محاولة الربط بين الصفة وموصوفها التي يسوّغها الباحث د. الطالب بـ : مقصدية الاستعمال الذي يجعله مرادفاً لـ : القسوة الناعمة والقسوة الخشنة ، مثلما هي الدلالة على بدائية الصورة من خلال تحولها إلى صيغة نمطية متكررة عبر الزمن ، فتظهر الوحشية من مركزية خطاب الموت في تشكيل دلالات خطاب العشق المتنوعة ، وقد وزع البحث إلى تمهيد نظري جهد الباحث من خلاله إلى وضع ممهداته التأسيسية التي ينطلق منها في تأكيد مقولات البحث التي توزعت على :
دراسة المصطلح والنسق الثقافي : درس فيه علاقة اللغة بالسلوك الجنسي من خلال وجهة نظر نفسية ــ لغوية وتعالقهما في تشكيل الخطاب الشعري ، إذ يرى أن التعالق قد أسهم في تطوير القدرة المجازية للغة العربية إلى حدٍّ بعيد ، وربط بين هذا الاتجاه التحليلي النظري بما ورد من شعر في الموروث العربي ، كما وجد الباحث أن الخطاب العشقي ارتبط بحقل الدلالة الخاص بالموت ، وذلك عندما لا تتحقق للعاشق أمنيات الوصال بمن يحبُّ التي يشير إليها بالغايات التي هي الّلذات بمظهريها : المادي والمعنوي ، وهذا الاندماج بين حقل الدلالة الخاص بالموت ، وحقل العشق قد أرسى قواعد نسقيّة صارت تحكمها تنائية تحقق اللذة ، والحرمان منها ، وقد انتقى الباحث شعر العذريين مجالاً لتطبيق نظرته منطلقاً من الشك في الظاهرة العذرية على مستويين هما مستوى الشك في المنتج الإبداعي ، وقضية النحل في أشعارهم ، وقصصهم ووجودهم التي لعب الخيال الشعبي دوره في إضفاء حالات من الأسطرة عليها ، وبذلك يخلص الباحث الدكتور: هايل الطالب إلى تساؤل عن مسوّغ البحث فيما هو قائم على الشك ، وفي إجابته عن هذا التساؤل يقول : إن أهم مسوغات هذه الدراسة هو أن جملة استعاراتهم قد شكَّلت أنساقاً ثقافيّةً باتت شبه قارّة في خطاب العشق ، إذ غاية البحث تتجه إلى الإجابة عن تداخل حقل الموت والحرب مع حقل الحب في ضوء المقاربة لدلالية الثقافية ، فالتداخل قد خلق نسقاً ثقافياً متشابهاً في بناه اللغوية ، ومقولاته الدلالية لدى جميع الشعراء في العينة العذرية مشيراُ في هذا الجانب إلى طفولة المعجم لدى الشعراء العذريين ، ومصطلح الطفولة الذي عنى به الباحث اعتماد المعجم على حقول دلالية محددة ومتشابهة ، كما استخدم مصطلح : طفولة الصورة التي قصد بها السذاجة والبساطة وعدم التعمق ، وهي ما شكّلت السمات العامة لخطاب العشق في نصوص الشعراء التي جاءت في نسقية واحدة ومتشابهة في ثقافتها ، وقد أستقصى الباحث أنساق الخطاب العشقي التي وجدها في :
1 ــ الهيمنة الذكورية والهشاشة الأنثوية
2 ــ العاشق المدجج بالهزائم
3 ــ سيطرة مقولة الموت على المعجم اللغوي وتشكيلاته الدلالية التي تدرجت وفق ثنائيات : البين = الموت
الموت = الأمل
الموت = اللقاء
ثنائية : الليل والنهار التي كانت تعكس الحالة النفسية للشاعر، فالليل إذا تمَّ فيه اللقاء يمرُّ سريعاً ، وهو مصدر السعادة ، أما الليل الذي يعاني فيه الشاعر الهجر والبعد ، فهو ليل طويل وهكذا يتعمّق الباحث في تفصيلات هذه الثنائيات في مقولات الخطاب العشقي التي واءم فيها بين دراسة الجانب اللغوي الذي لا ينفصل عن الجانب النفسي ، فااللغة ما هي إلا التعبير عمّا يختلج النفس البشرية من مشاعر وانفعالات تعيش من خلالها مواقف متأرجحة بين الأمل والخيبة ، ومشاعر تبعث على التفاؤل أو التشاؤم ، وبذلك يمكن القول إن بحث الدكتور هايل الطالب : (الاستعارة المتوحشة ) محاولة جادة في إعادة قراءة الصورة البلاغية في منحاها التاريخي الذي أسّس عليه الطالب بحثه لينطلق من خلاله إلى تأكيد تفرده في طريقة التناول واستقراء العينات المقولاتية من خلال سبر النصوص المدروسة ، ليكون الدرس التطبيقي مجال إثبات وبرهنة صحة المقولات التأسيسية التي انطلق منها ، وارتكز عليها في النتائج التي توصل إليها البحث التي تمثلت بـ:
فهم الاستعارة على أنها إمكانية الكلام والتفكير في شيء ما بمفردات شيء آخر.
تحققت الأنساق الثقافية من خلال :
أ ــ التكرار والتواتر .
ب ــ العنقودية الاستعارية التي تمثلت بالنزعة الاشتقاقية في تشكيل الاستعارة المستمدة من الحقل الدلالي الواحد .
ــ انشغل المعجم اللغوي في خطاب العشق بعلاقات الترادف
ــ ارتبطت مفردات الموت بمبدأ اللذة بجانبيها المادي والمعنوي
ــ اتسام الشاعر العذري بالعاشق المهزوم
وأخيراً فإنَّ ما يمكن ملاحظته على البحث هو لجوء الباحث إلى استخدام المصطلحات التي احتاجت منه الإيضاح ، وعدم الفصل بين قائمتي : المصادر والمراجع في مكتبة البحث .
د. وليد العرفي
المزيد...