كيف ينتج المجتمع ثقافة للطفل؟

بدْءاً، فقد غدا الطفل بِمجتمعات العالم المتطوّر، يحتلّ مركز الصّدارة، ببرامجها واهتماماتها، فهي تُعنَى عناية متميّزة بتعليم الأطفال وتثقيفهم وتربيتهم، من النواحي الصحيّة والنفسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والعقليّة! والثقافة ـ بعامّةٍ ـ تبقى نِتاجاً اجتماعيّاً بالمقام الأوّل، والثقافة التي تُقدَّم للطفل مسؤوليّة مجتمعيّة، أوّلاً وأخيراً. وعلينا أنْ نذكر، أنّ الأبحاث والدّراسات، التي تتناول ثقافة الطفل قليلة، بمجتمعاتنا العربيّة، إذ لا يزال المبدعون يهتمّون بثقافة الكبار، مُتنَاسِين ما لتوجيه الأطفال، وإعدادهم، ورعايتهم اجتماعيّاً وفكريّاً ونفسيّاً منْ أهمية؛ صحيح أنّ عمليّة التثقيف لا تتوقف عند سنٍّ مُعيّنة، إلا أنّ الّلبِنة الأولى بِبناء الإنسان (ثقافيّاً)، تبدأ من الطفولة، وما يُعطَى بهذه السنِّ، يُعَدُّ أكثر أهميّةً من غيره.الأسئلة: هل يحتلّ طفلنا العربيّ، صِدقاً لا ادِّعاءً، مركز الصَّدارة، بإنتاج الثقافة المُوجَّهة إليه؟ أيوجد في مجتمعنا العربيّ، خطط مبرمجة، لإنتاج ثقافة خاصّة بالأطفال؟ أم أنّ هذا العمل، لا يزال عملاً ارتجاليّاً، عشوائيّاً، غوْغائيّاً؟ للإجابة، فإنّ «أدب الأطفال» أداة فنيّة هامّة منْ أدوات تنشئة الطفولة، التي تعتبر ركيزة المستقبل، وصانعة شخصيّة المجتمع، وهو أي «أدب الأطفال»، أداة مهمّة للنّهوض بالطفل والمجتمع معاً.يقول (جواهر لال نهرو)، «سياسيّ هنديّ، كان تلميذاً لغاندي»: (إنَّ الأطفال أنْقِياء، لكنّنا – نحن الكبار – نُدْخِلُ الكَدَرَ إلى نفوسهم)؛ إنّ الأدب المُوجَّه للأطفال، غدا هاجِساً مُلِحَّاً لدى كثير من الدول المتقدّمة، لِوعيها بمدى إسهامه الجديّ بتنشئة الأطفال، وتربيتهم، وإعدادهم. والوسيط الذي ينقل «أدب الأطفال» إليهم، لِتثقيفهم، وإنارة الدّروب أمامهم، قد يكون كتاباً، أو مسرحاً، أو تلفازاً، أو فيلماً سينمائيّاً، أو صحيفة، أو مجلة، إلخ! و(«أدب الأطفال» لا يختلف عنْ أدب الكبار، إلّا بِكَونه أدبَ مرحلة عمريّة مُتدرِّجة، من عمر الكائن البشريّ، يراعِي المبدعُ خصائصَها وأطوارَها)، حسب قول د. «أحمد زلط» بكتابه القيّم «أدب الطفولة بين كامل كيلاني ومحمد الهراوي» ص (82). ونلاحظ حالياً اهتماماً مُتنامياً بثقافة الطفل، لكنّه نسبيٌّ، لا يُغرِي بالتفاؤل؛ لقد أدركت الأمم المُتحضّرة أولويّة العناية بأدب الطفل وثقافته، ولا نزال عاجزين عنْ إدراك هذه الأهميّة، برغم أنّ واقعنا العربيّ المُتَردِّي، يدلّ على حاجتنا المَاسّة لِوَعي هذه الثقافة، ودورها ببناء الفرد والمجتمع، بل إنّ واقعنا العربيِّ، يستصرخُ فينا الجهد واليقظة، «ولن يكون طريق الارتقاء مُمهَّداً، ما لم نَرْتقِ بثقافة الطفل، ووضعِها بِمقدّمة هواجسنا وأولويّاتنا»! فالطفل الواعِي، هو مصدرُ أمل وتفاؤل، حينما يكبر، ويقوى عقله وساعِدُه، فيصبح يداً لأهله ووطنه! وبما أنّ «أدب الأطفال»، أدبٌ هادفٌ، له أسُسُه الثابتة، فهو يسعى لِتحقيقها، للوصول لأفضل النتائج الثقافيّة والتربويّة، لِتكوين شخصيّة متوازنة للطفل، لِتَحمُّل أعباء الحياة، ومعها تحدّيات العصر، بأشكالها وتلاوِينها.ولمّا كان طفلنا العربيّ، هو حجر الأساس بِبناء عَضُدِ المجتمع، ورفع شأنه، فمن الطبيعيّ أنْ يبدأ التّركيز على هذه الفلسفة، التي لها علاقة وثيقة به، وأنْ يولَى الطفل كلّ ما يستحقّه من رعاية واهتمام! ويرى بعضهم، أنّ الأدب عموماً صانعٌ للبهجة والمُتعة، بل وصانعٌ للإنسان، وليس مجرّد وسيلة، وهو مؤثر في الأطفال، سواء من خلال البيت، الذي لا بدّ، وأنْ يتذوّقَ الأطفالُ فيه طعمَ الأدب والثقافة جنباً لِجنب، مع الغذاء والحليب، وعلى المدرسة أنْ تستكملَ المسيرة بأدبٍ جيّد ماتِعٍ، يثيرُ شهيّة الأطفال، لِمواصلةِ الإقبال عليه باندفاع، ولِغرس عادة القراءة المُحبَّبَة لنفوسهم، فالقراءة طريقٌ من طرق التثقيف والارْتقاء. بهذا نؤكّد، أنَ «المضمون» مُهمٌّ جدّاً في «أدب الأطفال»، لأنّه المحور الذي تنطلق منه توجّهاتنا، لتمهيد الطريق أمام الأجيال الصّاعدة، وأهمّ ما يتضمّنه «أدب الأطفال»، تقديمُ منظومة متكاملة من القِيم النّبيلة.و(ينبغي أنْ يكون «أدب الأطفال» لوناً من المعرفة الواعية، لِيصلهم بالحياة، ويهيّئ لهم فرصاً نادرة، واضحة المعالم، للتعرّف الذاتي»، حسب د. (عبد الفتاح أبو معال) بكتابه «أدب الأطفال – دراسة وتطبيق»! وشهد ميدان «أدب الطفل» وثقافته تقدّماً وازدهاراً ملمُوْسَين، بالعقدين الماضيين، حيثُ زاد الوعي بأهمية تثقيف الطفل، بوسائط (أدب الأطفال) المختلفة، وأهميّة كلّ وسيط، سواء أكان كتاباً أم إذاعة أم صحافة أم تلفزيوناً أم مسرحاً، إلخ.. إنّ الغاية منْ «تثقيف الطفل»، ليقفَ بالمستقبل سدّاً منيعاً، بوجه المحاولات الكثيرة، وغير المُنتهية، لِقوى الغدر، وللغزو الثقافي الغربي، الذي لا تهدأ حُمَّاهُ، الذي يحاول جاهداً طمس هويّتنا، وثقافتنا التي نعتزُ بها، ووجهنا الحضاريّ، الذي زوّد العالم بأفكار ونظريّات، كانت سبباً بالحياة العلميّة التي نراها مجسّدة اليوم، بـ / «دنيا العلم والتكنولوجيا»، وما يُسمَّى بـ «عصر العولمة والمعلوماتية»! فالكتاب لا يزال، أبرز وسائل المعرفة، برغم منافسة عدد من الوسائط الأخرى له، كالإذاعة المسموعة، والمرئيّة، والسينما، والكمبيوتر، والإنترنت، لأنّ الكتاب طواعيةٌ لا تتوافر للوسائط المذكورة؛ وبهِ، يستطيع الطفل الاتصال بمصادر الفكر والثقافة والمعرفة. وسأختم بقول لـ (ابن خلدون) في «مقدمته» ذائعةِ الصِّيت: «اعلمْ أنَّ تلقينَ العلوم، إنّما يكون مفيداً، إذا كان على التّدريج شيئاً فشيئاً، وقليلاً قليلاً»!
وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار
في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة "محامو الدولة "حماة المال العام يطالبون بالمساواة شراء  الألبسة والأحذية الشتوية عبء إضافي على المواطنين... 400ألف ليرة وأكثر  سعر الجاكيت وأسواق الب...