لا أزال أذكر ذلك اليوم الذي جئنا به إلى مدينة حمص ، من القرية ( عرقايا ) يقودنا مدير المدرسة المرحوم خلوف خلوف ، لكي نحضر فيلماً سينمائياً في سينما ( أوغاريت ) التي كانت قرب المتحف الوطني حالياً كنا في الصف السادس الابتدائي .. والفيلم كان بعنوان ( معركة الجنوب ) ويحكي عن نضال شعبنا في اليمن والإمارات للتحرر من الاستعمار البريطاني و أهمية هذه المنطقة من وطننا العربي
كنا مذهولين ونحن نشاهد الفيلم ، الذي طلبت وزارة التربية ، أن يشاهده أكبر عدد ممكن من تلامذة المدارس . .. كان ذلك عام 1970
بعد ذلك ، وعندما جئنا للدراسة في حمص ، في المرحلة الثانوية كنا ندخر بعض النقود من أجل السينما ، وكانت التعرفة ( ليرة واحدة )
في تلك الأيام كانت السينما تجذب الناس ، لاسيما طلاب المدارس لأسباب كثيرة منها المتعة والتسلية.. ثم الفائدة الفكرية التي قلما فكرنا بها تلك الأيام وهكذا فقد حضرنا أنا ورفاقي من ثانوية الفارابي فيلم ( خلي بالك من زوزو ) عدة مرات كانت سعاد حسني ، بطلة الفيلم ، وحسين فهمي ..
يقول التاريخ إن أول سينما تأسست في حمص كانت في بداية الثلاثينات من القرن الماضي وكانت ( صور بلا صوت ) ثم صارت (صور وصوت ) قبل أن يمضي وقت لتصبح بالألوان .
وأول من أدخل السينما الصامتة إلى حمص المرحوم محمد الدروبي صاحب سينما الحمراء وكانت فوق خان الدروبي شمال الساعة القديمة مكان بناء ( سيتي سنتر ) الحالي ثم أسس المرحوم تقي طليمات سينما ( روكسي) ثم سينما ( أمبير ) لشركة قطان و حداد الدمشقية ثم أسس جوزيف خوري سينما (أوبرا ) ثم أسس نادر الأتاسي دارين للسينما هما ( ريفولي ) و ( القاهرة )
وفي منتصف الستينات ، كما يقول المؤرخ فيصل شيخاني كان في حمص- تسع دور للسينما هي (الأمير – الفاروق-الفردوس – روكسي – القاهرة – الأوبرا – ريفولي –الحرية ) .
وقد تراجعت مكانة السينما بعد اختراع التلفاز وكان أصحاب دور السينما يطلبون مساعدة الشرطة عندما يحصل ازدحام كبير لحضور بعض الأفلام مثل أفلام محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ويوسف وهبي وأم كلثوم وأسمهان وفريد الأطرش وغيرهم .
كانت أسعار الدخول مخفضة للعسكريين وللطلاب شرط أن يبرزوا هوياتهم .
اليوم .. لاسيما في حمص قد تعاد قريباً سينما ( الكندي ) التابعة لوزارة الثقافة إلى العمل…
وحالياً يمكن لمن يريد أن يرى فيلماً سينمائياً أن يراه على شاشات الفضائيات التي تبث الأفلام أو على جهاز عرض ( سيدي ) أو حتى بوساطة الهاتف المحمول …!!
لكن للسينما طقوس جميلة ، قد تكون عائلية ، ولها طعم خاص ..أيام السينما الجميلة ربما لن تعود أبداً .
من جهتي أحب مشاهدة الأفلام السينمائية .. وهكذا وجدت نفسي أطلب حضور مضيفة الطائرة وأنا في طريقي من دبي إلى الصين لتشغل جهاز العرض أمامي وهكذا شاهدت فيلمين هما ( امرأة هزت عرش مصر ) عن نهاية الملك فاروق و ( خلي بالك من زوزو) الذي سبق وشاهدته قبل أربعين سنة في سينما ( أوبرا ) بحمص …فالطريق إلى الصين طويل أحد عشر ساعة طيران …!!
عيسى اسماعيل