المنتدون في جامعة البعث: تعزيز الانتماء الوطني عمل مؤسساتي.. اللغة هي الوعاء المثالي لانتاج الحضارة وحفظها وأداة تعبر عن المجتمع
تتابع كلية الآداب ندوتها المقامة بالتعاون مع فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص حول مواجهة مفرزات الحرب ودور اللغة والأدب والمسرح في تذليل التحديات ,فقد كانت بداية اليوم الثاني مع الدكتور عصام كوسى بورقة عمل عن اللغة العربية والهوية مشيراً إلى أن اللغة تعني الهوية كون اللغة والهوية وجهان لعملة واحدة فالمرء في جوهره لغة وهوية في الوقت الذي تكون فيه اللغة فكره ولسانه وانتماؤه .
وأشار إلى أن مصطلح الهوية مأخوذ من الضمير «هو» وتعني جوهر الشيء وترمز إلى ماهيته وشخصيته وقد عربها مجمع اللغة العربية بأنها حقيقة الشيء المطلقة وتشتمل على صفاته .وهذه الهوية بشقين :الأول هوية فردية تمثل مجموعة الأوصاف والسلوكيات التي تميز كل شخص عن غيره وتساوي البصمة عند الانسان ,والشق الثاني هوية جماعية وهي جملة الخصائص التي تنفرد بها جماعة ما ويظهر من خلالها اختلافها عن باقي الأمم ,وهذه العلاقة بين الهويتين وثيقة لأن الهوية الذاتية تتأثر بالجماعية .وأضاف إن اللغة هي الوعاء المثالي لانتاج الحضارة وحفظها إذ من خلالها تتفاعل الأمة مع ماضيها وتنخرط بقوة في حاضرها لبناء المستقبل .كما أن اللغة تربط بين الأجيال.وهي الواجهة الحاملة والحاضنة للملامح الأساسية للهوية .واستطرد بأن علماء اللسانيات أكدوا أن اللغة والهوية شيء واحد وأن المجتمعات البشرية تتآلف من خلالها وهي أداة اتصال تعبر عن تراث المجتمع وعاداته وتاريخه .
وأشار المحاضر إلى أن اللغة والامّة مترابطتان إذ بنهوض الأمة تنهض اللغة .
ونوه أيضاً إلى أن العربية هي اللغة التي جمعت العرب قبل الاسلام في سوق عكاظ وهي لغة القرآن فجمعت الأمتين العربية والاسلامية وغدت معبرة عنهم ,لذلك حاول أعداؤهم قطع هذا الحبل لمحاربة اللغة وجعلها في زاوية النسيان من خلال إبراز اللهجات وجعل العربية عاجزة عن مواكبة العصر .كما تحدث عن حركة التتريك والفرنسة لطمس معالم اللغة العربية ودعوات المستشرقين في سبيل ذلك والتشويه الذي سعت إليه بعض وسائل الإعلام المغرضة كي تغدو لغة مشوهة . و اختتم :يتحتم علينا جميعاً وضع استراتيجية لحفظ اللغة من الذوبان حفاظا على الأمة العربية التي تصنع مستقبلها بنفسها أما الأمة التي تهمل ذاتها وتلهث وراء اللغات الأجنبية فإن الأجنبي هو من يصنع لها مستقبلها وفق مصالحه …لغتنا هي هويتنا وكرامتنا ووجودنا.
كما تحدث الدكتور أحمد الحسن نائب عميد كلية الآداب بجامعة البعث للشؤون الإدارية والطلاب عن دور الأدب في تعزيز الانتماء الوطني .فقال :إن الأدب فرع من الثقافة و هي بدورها بناء هرمي من القيم المتناسقة .والأدب تعبير عن موقف لذات مبدعة تتناول مجموعة من القيم والأخلاقيات المرتبطة بفترة زمنية وظروف تاريخية محددة .
إذ أنه بكل فترة هناك منظومة من القيم لابد من التعبير عنها وقد تناولها الأدباء في مؤلفاتهم وعبروا عنها ببراعتهم الخاصة بناء على رؤاهم وتجاربهم الشخصية ونوه أيضاً إلى أن بعض الروايات تناولت الحرب من قبل كتاب داخل وخارج سورية ،منهم سوريون وغير سوريين أشاروا فيها إلى مفرزات الحرب والآثار السلبية المجتمعية والمعاناة جراء الإرهاب والتهجير وهناك من الكتاب من كان حيادياً بمواقفه التي برزت في كتاباته في أي صنف أو جنس أدبي شعراً أو نثراً أو رواية .وحول آلية تعزيز الانتماء الوطني بعد الحرب بين أن هذا العمل لا يمكن أن يكون فردياً بل هو عمل مؤسساتي مؤكداً دور الإعلام والدراما ,إضافة إلى دور الجامعة ومعدي المناهج التربوية كل من موقعه مؤكداً أنه لابد من اختيار شخصيات على درجة من الكفاءة و تحمل المسؤولية في مسألة تعزيز الانتماء الوطني.
واوضح أن الجميع وخاصة أساتذة الجامعة معنيون بتخريج دفعات من الطلبة الجامعيين يعملون بدورهم على تنشئة جيل محصن .
الرواية في مواجهة التحديات
كما شارك في الندوة الدكتور ماجد قاروط من جامعة حلب ،وذلك بمحاضرة حول الرواية في مواجهة التحديات الراهنة تحدث فيها أن الفكر الروائي السوري رصد مختلف الحالات السلبية بدقة وعمل على ايجاد وسائل متعددة لتطهير الواقع مثل ثلاثية الروائي عبد الغني ملوك :الحب في زمن التحولات، وقبوفي الدير, ومجامر الروث إضافة إلى رواية جسر على نهر جاف,اضافة إلى العديد من الروايات التي تؤكد حالة الخصوبة الفكرية وكثافة الرؤية التنويرية فطرحت مستويات فكرية متنوعة .
ونوه المحاضر إلى الكتاب الذين عملوا من خلال كتاباتهم إلى وأد الفكر الوهابي البغيض وإلى بناء الشخصية الروائية بناء متعدد الاتجاهات وذلك من خلال روايات تتطلع إلى سورية الحضارة والوطن والتي ترفض البؤر الرجعية المتخلفة وتؤكد انبعاث سورية المتجددة مثل رواية الماء العكر لضياء الحبش وفي البدء كنت أنا «لمحمود الفرا» وبحيرة الملح «للروائي نبيه اسكندر الحسن» وغيرها من الروايات التي تؤكد ولادة سورية وتتحدث عن الانسان السوري وانطلاقه كطائر الفينيق.
بعد ذلك اختتم الندوة الدكتور حاتم بصيص حول دور مناهج التعليم في مواجهة الأزمات فبين أن دور التعليم كبير جداً ,لذلك تم إعادة النظر في المناهج والخطط الدرسية لاسيما أن المناهج منظومة متكاملة والأشواط التي قطعتها وزارة التربية في تطويرها كبيرة مؤكداً أن المناهج والعناصر التعليمية وأساليب التقويم التي أسهمت في تطوير العملية التعليمية معنية بمعالجة مفرزات الحرب,وقد ركزت المناهج الجديدة على ذلك ،وبين أن وزارة التعليم اعتمدت ذلك أيضاً لأن أي مؤسسة تعليمية جامعية أو ما قبلها معنية بالتربية والتعليم معاً ,ولكن الجامعة مرحلة مهنية تعليمية لذلك كان يفترض إعادة النظر بذلك وإدخال مفاهيم جديدة عن الواقع الجديد
دور المعلم
وحول دور المعلم في مواجهة الحرب ذكر المحاضر أنه لابد من امتلاك المعلم للوعي الكافي من خلال التمكن من مفردات الواقع ليعكس ذلك الوعي للمتعلمين وأن يكون مدركاً لأبعاد الحرب ..وهناك دراسات حالياً في كلية التربية بالجامعة حول دراسة المناهج والمشكلات التربوية والتعليمية والتي تعنى ببناء الانسان والواقع المدرسي ويتم تزويد الوزارة بها لرصد المشكلات وتلافيها .
على هامش الندوة التقينا الدكتور : أحمد حسن نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة البعث للشؤون الإدارية والطلاب فقال:
إن مسألة تعزيز الانتماء الوطني لدى الطلبة في الجامعة مسألة في غاية الأهمية خاصة في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها بلدنا الحبيب إذ نحن بأمس الحاجة لبناء المواطن السوري .وفي قطاع الجامعة نعمل كأساتذة ما بوسعنا لتهيئة كافة الظروف الملائمة وخلق البيئة الايجابية التي تمكن الطالب من حضور المحاضرة والدراسة والاجتهاد كونها جميعاً تصب في خدمة المجتمع.
نعمل أيضاً على تعزيز الشعور بالانتماءالوطني وترسيخه من خلال حث الطالب على حضور المحاضرة والمشاركة والدفع باتجاه تقدم وتطور المجتمع .
واختتم : نحاول في الكلية بذل قصارى جهدنا لنشر الوعي بين الطلبة وتقديم المعلومة ومعالجة قضايا تلامس الواقع ,ويذكر أن الكلية قد أقامت العديد من الأنشطة جاء آخرها مؤتمر اللغات الحية في معهد اللغات .. فالجامعة خلية عمل يومية وقد شارك في هذه الندوة أساتذة من جامعات أخرى بغية التلاقي الثقافي وتبادل الخبرات المعرفية والثقافية .
لكل جنس أدبي منظومته
الدكتور ماجد قاروط أستاذ في علم الجمال والتحليل الأدبي في جامعة حلب . كلية الآداب الثانية يقول : إن اللغة العربية بكافة أجناسها الأدبية معنية بمناقشة آثار الحرب وكل جنس له دوره ومنظومته الحركية ,إن كان على صعيد الشعر أو الخاطرة أو الرواية ولكن يختلف الدور في التقييم الجمالي لكل جنس أدبي . إذ أن لكل جنس أدبي تطلعاً جمالياً معيناً بحسب منظومته الصوتية الموسيقية . لذلك فكل جنس أدبي يلعب دوره بمعالجة الأزمة ولكن بطريقته الخاصة .
ويضيف : إن الرواية التي تناولت الحرب بشكل واضح هي « جسر على نهر جاف » للكاتب عبد الغني ملوك إذ تتحدث عن سورية والتحديات والصعوبات والحلول إبان الحرب .
الدكتور أحمد دهمان عضو هيئة تدريسية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية يقول : إن الانتماء للوطن يعني الانزراع في تربته , ونحن في سورية ليس جيل هذه الفترة فقط وإنما منذ الأزل تربينا على أن نكون قوميين إنسانيين أكثر من الانتماء الإقليمي الضيق . لذلك ننطلق من اعتزازنا بسورية وتاريخها المجيد وارثها الحضاري الذي لا نظير له ليس في هذه المنطقة فحسب بل يكاد يكون في العالم . واليوم وأكثر من أي وقت مضى نسعى لتعزيز الانتماء القومي كونه المظلة التي من خلالها تستطيع سورية أن تصمد أمام مجمل التحديات والمؤامرات والحروب .
ولكن ما يجعلنا كسوريين مستمرين بهذا الانتماء هو أننا سوريون ونحن لا نبيع وطننا وفي ظل المحاولات البائسة لتمزيق وتشويه الهوية السورية لا يمكن لأية طروحات أو مواقف وسلوكيات أن تمس بوحدة سورية فهذه كلها طارئة وعبارة عن فقاعات صابون … كما أن سورية وعبر التاريخ كانت ملاذاً لكثير من الأشقاء الذين عاشوا على أرضها مع السوريين دون تمييز أو خلاف … وما هو غير ذلك لن يكون !
متابعة و تصوير : نبيلة ابراهيم