أذكر أن بداية معرفتي بالشاعر العربي الفلسطيني إبراهيم طوقان كانت في عام خمسة وستين ، وتمثلت في قصيدته التي زينت منهاج الصف الثالث الإعدادي يوم ذاك تحت عنوان – الفدائي – ومازلت إلى اليوم معجبا ً بالتصوير الرائع والإيقاع الثوري الذي استمده الشاعر من نبض الثائر الملتهب :
لاتسل عن سلامته روحه فوق راحته
بدلته همومه كفنا ً من وسادته
صامت لو تكلما لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته خلق الحزم أبكما
ثم أخذنا نردد نشيده عبر سماعه من المذياع – موطني –
موطني .. موطني .. الجمال والجلال في رباك – السناء والبهاء في سماك ..
موطني موطني …
وأعجبنا بهذا النشيد وأعظمنا صاحبه ، وهذا ماحرضني على تعميق معرفتي بهذا الشاعر فعرفت أنه ولد في قضاء نابلس بفلسطين في منتصف العقد الأول من القرن العشرين وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية في نابلس، ثم أكمل دراسته الثانوية في مدرسة المطران في الكلية الإنكليزية في القدس تتلمذ فيها على يد الأستاذ الأديب – نخلة زريق- الذي كان له أثر كبير على الشاعر إبراهيم طوقان في ميداني : اللغة والأدب القديم ، بعدها التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ومكث فيها ست سنوات نال في نهايتها الشهادة الجامعية في الآداب وعاد ليدرس في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس ولكنه بعد سنتين انتقل إلى التدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت مدرسا ً للغة العربية ولكنه لم يدرس أكثر من عامين فعاد بعدها إلى القدس وتسلم القسم العربي في إذاعة القدس وعين مديرا ً للبرامج العربية ، ثم أقيل من عمله من قبل سلطات الانتداب البريطاني في أول العقد الرابع من القرن العشرين، فانتقل إلى العراق وعمل مدرسا ً في دار المعلمين العليا في بغداد، ولكن المرض عاجله فعاد إلى فلسطين وقد اشتدت عليه وطأة المرض، فاختطفته يد المنون في الثاني من أيار عام واحد وأربعين وتسعمئة وألف ، فكانت شقيقته الشاعرة : فدوى أول الباكين عليه ،وبكاه شعبه وأمته لأنه مثل صوت هذا الشعب وضمير هذه الأمة ، فقد آمن أن المستعمر القوي الباغي لايواجه إلا بالمقاومة فخاطب شعبه قائلا ً :
نبؤوني عن القوي متى كان رحيما ً ، هيهات من عزتاها
لايلين القوي حتى يلاقي مثله عزة وبطشا ً وجاها
لاسمت أمة دهتها خطوب أرهقتها ولايثور فتاها
وقد تم نشر ديوانه الشعري بعد خمسة عشر عاما ً تحت عنوان : ديوان إبراهيم طوقان وطبع ثلاث طبعات بالإضافة إلى كتاب – رسائل ومواقف .
د. غسان لافي طعمة
المزيد...