ارتفاع تكاليف الزواج و السكن والبطالة أهم أسبابها … ظاهرة العزوف عن الزواج في ازدياد .. د. نوفل: تؤثر سلبا على سوق العمل  والتنمية الاقتصادية.. د. المنشف: تأسيس المشاريع الصغيرة و منح قروض خاصة بالزواج يحد منها  ..

جميعنا يلمس  ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج التي انتشرت  مؤخراً بشكل واضح و كبير في المجتمع السوري … و هذه  إحدى مفرزات الحرب على سورية و كان لهذا الأمر آثاره السلبية على البنية المجتمعية و الاقتصادية معاً.. و للبحث في أسباب و نتائج الإحجام عن الزواج و آلية معالجة هذه الظاهرة التقت “العروبة ” عدداً من الشباب بفئات عمرية متعددة و شرائح ثقافية مختلفة بالمجتمع….

البيت الزوجية حلم

ليال 23 سنة طالبة جامعية تقول: حلم كل فتاة بناء أسرة مستقرة و لكن أرى ذلك أشبه بالمستحيل فلا طاقة مادية للشباب للإقدام على ذلك بسبب صعوبة تأمين بيت الزوجية وفرشه بأثاث لائق …

تكاليف باهظة

علي 28 سنة  محام و يخدم كاحتياط في صفوف الجيش العربي السوري يقول: خطبت فتاة منذ حوالي العام و قدم لي والدي المنزل مع الفرش و لكن احتياجات العروس اليوم كبيرة    ليس من السهولة تأمينها فالتكاليف باهظة.

العقارات محلقة

نورا  33 سنة تعمل في إحدى المحلات قالت:  تمت خطوبتي  على شاب منذ حوالي العامين و سافر إلى إحدى الدول العربية لتأمين الاحتياجات المادية فبناء أسرة يعني متطلبات كثيرة …”منزل و تجهيزاته و أطفال و مسؤوليات كثيرة لا قدرة لنا عليها” ناهيك عن مصاريف الزواج لذلك ليس أمامنا سوى الانتظار .

محمود مهندس  قال: إن تأسيس أسرة مسؤولية كبيرة جدا …و تكاليف الزواج مرهقة … وإنجاب أطفال يعني تأمين متطلباتهم …و لا يمكنني في المستقبل  أن أرى طفلي مريضاً بسبب سوء تغذيته أو حزيناً لعدم تأمين احتياجاته.

الحب وحده  لا يكفي

ريام 37 عاماً تقول :الحب لا يكفي لبناء أسرة في ظل تدهور المستوى المعيشي …بل قد يهرب الحب  من كثرة الاحتياجات وعدم إمكانية تأمينها  وبالتالي تكثر المشاكل و يقود ذلك إلى الانفصال والطلاق وهذا ما حدث معي مع العلم أنه لدي طفلان : 8 سنوات وسنتان وفي كثير من الأحيان كنا نقف عاجزين عن تأمين المتطلبات  من حليب وغذاء ومستلزمات المدرسة  وتسديد فواتير وتأمين مازوت التدفئة وما إلى ذلك! مع العلم أنا موظفة و زوجي موظفاً , ولكن الرواتب   و الأجور لا تسد الحاجة…و إذا مرض أحد  الأطفال  نقف مكتوفي الأيدي  لا نستطيع مراجعة طبيب فارتفاع المعاينات الطبية وأسعار الأدوية أمر مرهق  للغاية.

كما التقت “العروبة” اثنين من  أهل الاختصاص في هذا المجال…

الأسباب  متعددة ومتنوعة

الدكتورة ناديا المنشف أستاذة في كلية التربية بجامعة البعث تقول : أفرزت الحرب على سورية مخرجات ساهمت في تردي  وتدني الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار كذلك  على الصعيد الاجتماعي ساهمت الحرب بالهجرة  الداخلية كالانتقال من الريف  إلى المدينة أو إلى مدينة أخرى  وبالعكس وقد أدى ذلك إلى بتر بالعلاقات  الاجتماعية والابتعاد عن المجتمع القديم بعد فقدان المنزل أو أحد أفراد الأسرة والانتقال إلى مجتمع جديد,وهذا بدوره يخلق جواً من الخوف بالارتباط بشخص غير معروف ومجهول والأمر أشبه بالمغامرة ..لذلك يحجم الشاب أو الفتاة عن الإقدام عليه  كذلك الهجرة إلى الخارج أدت إلى خلل في البنية المجتمعية وقلة في عدد أبناء المجتمع  وذلك بهدف تأمين حياة مستقرة أفضل و أحجم كثير من  الشباب عن الارتباط .

الحاجة المادية

وتابعت: من أسباب عزوف الشباب عن الزواج عدم قدرة الفرد على تأمين تكاليف الزواج و سكن  زوجية  أو حتى استئجار منزل .. حتى الخريج  الجامعي بحاجة اليوم لتأمين فرصة عمل .

الزواج مسؤولية

والحديث ما يزال للدكتورة المنشف : إن أهم محاور  الصحة الإنجابية لكل من الأم والطفل هو تأمين المستلزمات الصحية لتجنب سوء التغذية ولإنجاب أطفال سليمين وعدم تكبد الدولة رعاية أطفال معاقين أو مصابين بأمراض سوء تغذية ..

غلاء المهور  ومستلزمات الزواج

مشيرة أن التكاليف باهظة وهي فوق طاقة الفرد المادية وهنا لابد من نشر الوعي وإطلاق حملات نوعية بهذا الخصوص للتخفيف من الأعباء والقبول بالأمر الواقع لتسيير الأمور خاصة لدى جيل الآباء المخضرم ومساهمته في مساعدة  هذا الجيل.

أخطار  كارثية

وتابعت: إن الزواج حاجة أولية أساسية للإنسان.. وإذا بقي الأمر على هذه الوتيرة .. فقد يقود ذلك إلى انحدار  أو انعدام بالقيم التربوية  والسلوكية الأخلاقية   و انتشار أمراض اجتماعية .

إطلاق مشاريع تنموية و توعوية

و للحد من انتشار هذه الظاهرة و المساهمة بمعالجتها قالت: منذ فترة وجيزة صدرت مراسيم خاصة بتحديد مدة خدمة العلم  وهي ذات فحوى ايجابي و تخدم جيل الشباب,  كما أنه انطلقت  سابقاً “قبل بدء الحرب ” مشاريع تأمين السكن الشبابي بأقساط مريحة …و حبذا لو يتم تسهيل أمور الزواج من خلال المشاريع التنموية الصغيرة و منح قروض خاصة بالزواج و ترجمتها على أرض الواقع من قبل وزارة الإدارة المحلية إضافة إلى تخفيض رسوم إجراءات الزواج و تسيير الأمور بما يفرضه الواقع من تكاليف و مستلزمات خاصة به لذلك لا بد من إطلاق حملات توعوية لجيل الآباء و الأبناء معاً للمساهمة و الحد من هذه الظاهرة كالقدرة على التأقلم في العيش مع الزوج  في منزل أسرته  في حال عدم تأمين مسكن مع الإشارة أن فئة الشباب تستبعد هذه الحالة كونها اعتادت الاستقلالية وهي ذات انفتاح ثقافي و عاصرت التقدم التقني و لا تستطيع ذلك بسهولة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ذات الحدين السلبي و الايجابي .

ظاهرة تهدد المجتمع

كما التقت “العروبة” الدكتور يوسف نوفل باحث في الشؤون الاقتصادية فحدثنا قائلاً:

يقول : إن العزوف عن الزواج نتاج العديد من المشاكل التربوية والاجتماعية والاقتصادية بالمجتمع وقد باتت ظاهرة تهدد المجتمع بالداخل وهناك من  يحاول  تدمير لبنة المجتمع الأساسية –الأسرة- والتي مازالت متماسكة رغم كل شيء.

لذلك التأخر في الزواج أو الإحجام عنه يعني تأخر في بناء المجتمع أو توقف البناء فيه وبالتالي انهياره و إن كان في قمة الرخاء الاقتصادي والاجتماعي والأسباب كثيرة , فهي  متشابكة  ومتعددة وأبرزها الاقتصادية كانتشار البطالة وعدم توفر فرص عمل وتدني مستوى الدخل وارتفاع تكاليف الزواج وعدم القدرة على تأمين المتطلبات الزوجية وإعطاء الكماليات صفة  الضروريات والدراسة  والرغبة في التحصيل العلمي  واعتبار الزواج عائقاً.

إضافة إلى خشية الشباب من المستقبل في الظروف الراهنة وهجرتهم  وزواجهم من أجنبيات لتدني تكاليف الزواج أضف إلى الإعلام والعولمة والذي من شأنهما تغيير مفاهيم ومعايير الزواج بالمجتمع.

تشخيص ومعالجة

يتابع د. نوفل : إن ذلك يتطلب وضع وطرح أسئلة  مغلقة ومفتوحة على عينة بحثية بدراسة علمية  للتشخيص بدقة أكثر للأسباب ومعالجتها.

لاسيما أن العزوف عن الزواج يؤدي إلى انخفاض بنسبة السكان من صغار السن إلى إجمالي السكان وزيادة عدد الكبار بالسن وهذا مؤشر يؤثر على التنمية الاقتصادية والاقتصاد الوطني  وبالتالي انخفاض  معدل النمو السكاني وصولاً إلى معدل النمو الصغري للسكان و هذا يقود إلى انخفاض  نسبة صغار  السن القادرين على العمل ولذلك آثاره السلبية منها :

التأثير في سوق العمل  والتنمية الاقتصادية وحدوث مشكلة تمييز سكاني تتسم بالشيخوخة إضافة إلى انخفاض الاستثمارات والذي ينعكس سلباً على الناتج المحلي والإنتاج المحلي الوطني.

وهجرة العقول نتيجة العزوف والتوجه نحو الهجرة .

إتباع سياسات سكانية

ويختتم بضرورة إتباع سياسات سكانية تشجع الشباب على الزواج والإنجاب في ظل وجود مراكز لتنظيم  الأسرة وفق سياسات محددة  بحيث يكون  معدل النمو السكاني في حدوده المقبولة وبشكل يتم  فيه تفادي  الوصول لمشكلة النمو السكاني الصفري إضافة إلى ضرورة وضع وتنفيذ برامج اقتصادية  من  شأنها استيعاب الباحثين عن العمل وتأمينه وإحداث  صندوق دعم الزواج ومنح قروض ميسرة.

نبيلة إبراهيم

 

 

 

المزيد...
آخر الأخبار